Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 2-2)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هو سبحانه يأتي لنا بأمر الخلق فأوضح أنه خلقنا من طين ، بعد أن تكلم عن أمر خلق السمٰوات والأرض ، وهو - سبحانه - قد أخبرنا من قبل ذلك أنه خلقنا من تراب وحمأ مسنون ومن صلصال كالفخار ، وهي متكاملات لا متقابلات ، وكذلك أوضح الحق أنه خلق كل شيء من ماء ، فاختلط الماء بالتراب فصار طيناً ثم حمأ مسنوناً ثم صلصالاً كالفخار وكلها حلقات متكاملة . ونحن لم نشهد الخلق ولكنا نتلقى أمر الخلق عنه - سبحانه - ونعلم أن الطين مادة للزرع والخصوبة . وعندما قام العلماء بتحليل الطين وجدوه يحتوي على العديد من العناصر ، وأكبر كمية من هذه العناصر هي الأوكسجين ، ثم الكربون ، ثم الهيدروجين ، ثم الفلور ، ثم الكلور ، ثم الصوديوم ، ثم المغنسيوم ، ثم البوتاسيوم ، ثم الحديد ، ثم السيلوز ، ثم المنجنيز وغيرها . والعناصر في هذا الكون أكثر من مائة ، ولكنها لا تدخل كلها في تركيب الإنسان ، إنما تدخل في تركيب ما ينفع الإنسان من بناء وزينة وغير ذلك . مصداقاً لقول الحق سبحانه وتعالى : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } [ فصلت : 53 ] . لقد قام أهل الكفر من العلماء بهذا التحليل وذكروا تلك النتائج التي أخبرنا بها الرسول الكريم في الكتاب المعجز الباقي المحفوظ بأمر الله كحجة مؤكدة . وصان الحق لنا هذه الحجة حتى يأتي عالم غير مؤمن ويتوصل إلى بعضٍ من الحقائق الموجودة في القرآن . ولم يحضر أحد منا لحظة الخلق ، ولكنا نشهد الموت وهو نقض للحياة ، ونقض الشيء يكون على عكس بنائه . ونرى من يهدمون بناء يبدأون بهدم آخر ما تم بناؤه وتركيبه ، فيخلعون الزجاج أولاً وهو آخر ما تم تركيبه ، ثم الأخشاب ، ثم الأحجار ، كذلك نقض الحياة بالموت . تخرج روح الإنسان أولاً ثم بعد ذلك ييبس ويجف ليصير صلصالاً كالفخار ثم حمأ مسنوناً أي يصيبه النتن والعفن ثم يتبخر منه الماء فيصير تراباً . ولذلك نحن نصدق الذي خلقنا في أمر خلقنا ونصدقه في أمر السمٰوات والأرض ، وعندما يقول قائل بغير ذلك ، نقول له كما أخبر القرآن الكريم : { مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً } [ الكهف : 51 ] . ويخبرنا الحق هنا بقضية الرجل : { ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ } ولا أحد فينا يعلم أجله مهما عرض نفسه على الأطباء ، والأجل الأول هو الأجل المحدد لكل منا ، والأجل المسمى عنده هو زمن البرزخ ومن بعده نبعث من قبورنا ، ولذلك قال سبحانه : { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ } [ الأعراف : 187 ] . وقد يعرف الإنسان مجيء مقدمات نهايته واقتراب موته بواسطة ما كشف الله عنه من أسراره بواسطة تقدم العلماء . فليس هذا من الغيب وفي بعض الحالات يصح هذا المريض ويشفى ويبرأ ، ويقولون : قد حدثت معجزة ، أما الأجل المسمى فلا نستطيع أن نعرفه ، وحدد الحق سبحانه ذلك في خمس مسائل : { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } [ لقمان : 34 ] . وقد تكلم الحق عن المكان ولم يتكلم عن الزمان : { ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلاً } أي قضى أجلاً لكل واحد ، ثم جعل أجلاً لكل شيء مسمى . والآجال في الآحاد تتوارد إلى أن يأتي أجل الكل وهو يوم القيامة ، { ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ } والدلائل التي أوردها الحق كفيلة بألا تجعل أحداً يشك ، ولكن هناك من يماري في ذلك بعد كل هذه المقدمات . ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك : { وَهُوَ ٱللَّهُ … } .