Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 5-5)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فهذا خروج من الإعراض إلى التكذيب ، فالإعراض أمر سلبي ، والتكذيب هو الوقوف إيجابياً في موقف الضد والصد عن سبيل الله ، ثم ينتقلون إلى المرحلة الثالثة وهي الاستهزاء . إننا إذن أمام ثلاث مراحل : إعراض ، تكذيب ، استهزاء . وكل ذلك لعلهم يصرفون المتِّبع عن الاتباع . ومثال ذلك ما ضربه الحق لنا في أمر نوح : { وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ * وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ } [ هود : 37 - 38 ] . فقد أوحى سبحانه إلى نوح البلاغ الحق وأمره أن يصنع الفلك تحت عنايته سبحانه وألا يخاطبه في شأن الكافرين الظالمين الذين لم يستجيبوا لدعوة الله ويَشْرَع نوح في إنشاء الفُلْك ، ولكن الكافرين يستهزئون به لجهلهم ولعدم الوثوق من الغرض والهدف . ويسخر نوح من كل من يسخر منه . ومثال آخر وهو انتصار الإسلام بعد أن كان أهل الكفر قوة ، ولكن المتكبر الطاغي منهم يأتي بعد صلفه وكبريائه صاغراً . ومنهم من قتل وأسر وذاق مرارة الذل النفسي . وقد كانوا من قبل يستهزئون برسول الله صلى الله عليه وسلم . ومثال على ذلك الوليد بن المغيرة ، وهو السيد في قومه ، يأتي فيه قول الحق : { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ * سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ } [ القلم : 15 - 16 ] . وكان الوليد صاحب ثراء من المال ومنعة وقوة من البنين ، وأعرض عن القرآن وسخر منه . فجعل الحق منه أمثولة للناس ، وطبع على أنفه علامة لازمة افتضح بها ، وكانت سُبّةً له وعاراً لا يفارقه كلما ذكر . وقد نزل هذا القول في القرآن وقت ضعف المسلمين ، ثم يأتي خبر ضربه على أنفه الذي هو محل الأنفة والكبرياء والعنجهية ، ثم تأتي بدر ليرى المسلمون تحقيق ذلك ، إنه كلام إلهي متحدًى به ومتعبد بتلاوته . وهكذا تصدق كل قضية يأتي بها الله . ويقول الحق بعد ذلك : { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا … } .