Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 78-78)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهكذا يثبت له أن كل كوكب - حتى الشمس - مصيره إلى أفول ، فكأنه قد وصل بهم بالمنطق إلى أن عبادة الكواكب لا تصلح ، واستخدم المنطق الذي يحقق نيته في أن ينكر هذه الربوبية ، ويستأنس به آذان من يسمعه . وهناك أشياء يجعلها الحق سبباً مبرراً لارتكاب أشياء كثيرة ، إلا أننا نعقد مقارنة بين بعضهم البعض مثلما قال الحق : { وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً } [ النحل : 106 ] . وقد جاءت بعد قوله سبحانه : { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ } [ النحل : 106 ] . فإذا كان الله قد أباح إجراء كلمة الكفر على لسان المؤمن المطمئن لينجي حياته وهو فرد ، أفلا يصح لإبراهيم أن يقول لهم : { هَـٰذَا رَبِّي } بما تحتمل من أساليب حتى ينجي أمة بأسرها من أن تعبد الأصنام ؟ . إذن فيقول إبراهيم { هَـٰذَا رَبِّي } يؤخذ على محملين : ألم يقل الله سبحانه وتعالى بنفسه عن نفسه : { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِي } [ فصلت : 47 ] وسبحانه يعلم أنّه لا شركاء له ، ولكن الشركاء هم مِن زعْم المشركين . " ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينما كان ينادي في بعض القوم : " يا إله الآلهة " لأنه يعلم أن قوماً قد ألهوا ظواهر طبيعية في الكون لما يرون من الخير فيها ، فأراد أن ينبههم إلى أن هناك إلهاً حقًّا " . ويوضح القرآن عدم جدوى الشرك حين يقول : { إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } [ المؤمنون : 91 ] . ويقول سبحانه : { قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً } [ الإسراء : 42 ] . والحق سبحانه وتعالى يقول للكافر الذي كان يعتز بجاهه في دنياه : { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } [ الدخان : 49 ] . فهل هذا القول اعتراف بأن الكافر عزيز كريم أو هو قول تهكمي ؟ . إنه تهكم لأن الكافر لو كان عزيزاً كريماً عند نفسه لما كفر ولما استقر في الجحيم . وكان المنطق في اللغة أن يقول : فلما رأى الشمس بازغة قال هذه ربي لأن الشمس مؤنثة ، ولكنه قال : { هَـٰذَا رَبِّي } كما قال في القمر وفي غيره من الكواكب ، فجعل الأمر على سياق أو حالة واحدة ، أو هو بهذا القول يريد أن ينزه كلمة الرب تنزيها مطلقاً عن أن تلحق بها علامة التأنيث لأن علامة التأنيث فرع التذكير ، وأيضاً لأن الشمس ليست مؤنثاً حقيقياً ، بل هي مؤنث مجازي ، ولذلك يفطن العلماء إلى هذه المسألة فيقولون : إنك إذا أعطيت واحداً صفة العلم ، وقلت : فلان عالم ، أما إذا صار علمه ملكة عنده فنقول : " فلان عليم " ولذلك يقول الحق : { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [ يوسف : 76 ] . وإذا كان العالم متمكناً من علمه بشكل غير مسبوق نقول عنه : " علاَّم " . والحق سبحانه يصف نفسه فيقول : { عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } [ المائدة : 116 ] . ولم يقل العلماء في وصف الله علاّمة ، وإن كان هذا الوصف أبلغ احترازا من أن تلحق علامة التأنيث صفة من صفات الله - عز وجل - . وحين تأفل الشمس يقول سيدنا إبراهيم : { فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } [ الأنعام : 78 ] . وجاء الأمر صريحاً لأنه سبق المسألة بالترقيات الجدلية التي قالها ، وحين يسمعها أي عاقل فلا بد أن يعلن اتفاقه في هذا الأمر ، ولذلك قال : { إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } . ولأنه كإنسان مؤمن لن يغش نفسه ، وبالتالي لن يغش قومه ، وهذا ما ينبه العقل حين يعطيه الله هبة الهداية . والبراءة من الشرك تخلية عن المفسد ، والتخلية تعني أن تنفك أو تنقطع عن العمل المفسد ، وبعد ذلك تدخل في العمل المصلح … العمل الإيجابي . ويقول الحق بعد ذلك : { إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ … } .