Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 133-133)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وكلمة " الطوفان " يراد بها طغيان ماء ، والماء - كما نعلم - هو سبب الحياة ، وقد يجعله الله سبباً للدمار حتى لا تفهم أن المسائل بذاتيتها ، بل بتوجيهات القادر عليها ، وعندما ننظر إلى الطوفان الذي أغرق من قبل قوم نوح ، ولم ينج أحد إلا من ركب مع نوح في السفينة وهنا مع قوم موسى لا توجد سفينة ، لأن الله يريد أن يؤكد لهم العقاب على طغيانهم . وإذا كان الطوفان قد أصاب آل فرعون ومعهم بنو إسرائيل لدرجة أن الواحد منهم كانت المياه تبلغ التراقي فيبقى واقفاً لأنه لو جلس يموت ، ويظل هكذا ، وأمطرت عليهم السماء سبعة أيام ، لا يعرفون فيها الليل من النهار ويرون أمامهم بيوت بني إسرائيل لا تلمسها المياه ، وهذه معجزة واضحة ، لقد عمّ الطوفان وأراد الحق أن ينجي بني إسرائيل منه دون حيلة منهم حتى لا يقال آية كونية جاءت على هيئة طوفان وانتهت المسألة ، لكن الطوفان جاء لبيوتهم ولم يلمس بني إسرائيل . وقال الرواة : إن الطوفان دخل على فرعون حتى صرخ واستنجد بموسى ، وقال له : كف عنا هذا ونؤمن بما جئت به ، ودعا موسى ربه فكف عنهم الطوفان . لكنهم عادوا إلى الكفر . وجعل الله من آياته لمحات ، وإشارات ، بدأت بالطوفان ، وحين يوضح ربنا : أنا عذبت بالطوفان قوم نوح ، وقوم فرعون ، فهو يعطينا ملامح تشعرنا بصدق القضية ، فيهبط السيل في أي بلد ويهدم الديار ويغرق الزرع والحيوانات ، لنرى صورة كونية ، وكذلك الجراد يرسله الله على فترات فيهبط في أي وقت من الأوقات ، ونقيم الحملات لمكافحته ، وهذا دليل على صدق الأشياء التي حكى الله عنها ، فلو لم يوجد جراد ولا طوفان لكنا عرضة ألا نصدق . وابتلاهم الله بالقمل كذلك . { وَٱلْقُمَّلَ } هو غير القَمْل . فالقَمْل هو الآفة التي تصيب الإِنسان في بدنه وثيابه وتنشأ من قذارة الثياب ، أما القُمَّل فقيل هو السوس الذي يصيب الحبوب ، ومفردها قُمَّلَة ، وقيل هو ما نسميه بالقراد ، وقيل هو الحشرات التي تهلك النبات والحرث ، وحين نراه نفزع ونبحث عن تخليص الزرع منه باليد والمبيدات ، وكل ذلك من تنبيهات الحق للخلق ، وهي مجرد تنبيه وإرشاد ولَفْتٌ للالتفات إلى الحق . وكذلك يرسل الله عليهم " الضفادع " ، وعندما يضع أي إنسان منهم يده في شيء يجد فيها الضفادع فإناء الطعام يرفع عنه الغطاء فترى فيه الضفادع ، والمياه التي يشربها يجد فيها الضفادع ! ! وإن فتح فمه تدخل ضفدعة في الفم ! ! . فهي آية ومعجزة ، وكذلك " الدم " ، فكان كل شيء ينقلب لهم دماً . ويقال : إن امرأة من قوم فرعون أرادت أن تشرب ماء ، فذهبت إلى امرأة من بني إسرائيل وقالت لها : خذي الماء في فمك ومُجيه في فمي ، كأنها تريد أن تحتال على ربنا وتأخذ مياهاً من غير دم ، فينتقل من فم الإسرائيلية وهو ماء ، فإذا ما دخل فم المرأة التي هي من قوم فرعون صار دماً . { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ وَٱلْقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ آيَاتٍ مّفَصَّلاَتٍ … } [ الأعراف : 133 ] . وقوله سبحانه : { مُّفَصَّلاَتٍ } أي لم يأت بها جل وعلا كلها مجتمعة مع بعضها البعض لتفزعهم دفعة واحدة وتختبرهم أيعلنون الإِيمان أم لا ؟ بل جاء سبحانه بكل آية مُفصلة عن الآخرى فلا توجد آية مع آية أخرى في وقت واحد ، أو جاء بها علامات واضحات فيها مواعظ وعبر ، مما يدل على موالاة الإِنذارات للرغبة في أن يَذّكروا ، وأن يرتدعوا ، فلو اذكروا وارتدعوا من آية واحدة يكف عنهم سبحانه البأس . وأرسل سبحانه الآيات وهي : طوفان ، جراد ، قمل ، ضفادع ، دم ، هذه آيات خمس في هذه الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها ، ومن قبل قال الحق إنه أخذهم بالسنين ، وكذلك نقص الثمرات ، فأصبحت الآيات سبعاً ، ومن قبل كانت عصا موسى التي كانت تلقف ما صنعه السحرة فصارت ثماني آيات ، وكذلك " اليد البيضاء " التي أراها موسى لفرعون وملئه فيصبح العدد تسع آيات ، إذن فالآيات بترتيبها هي : العصا ، واليد ، والأخذ بالسنين ، ونقص الثمرات ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم . والآيات المفصلات … هي عجائب كل منها عجيبة يسلطها الله على مَن يريد إذلاله ، ويبتلي الله بها نوعاً من الناس ولا يبتلي بها قوماً آخرين . فماذا كان موقفهم من الآيات العجائب ؟ نجد الحق يذيل الآية : { فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } . إنهم لم يؤمنوا ، بل تكبروا وأجرموا في حق أنفسهم وقطعوا ما بينهم وبين الإِيمان . ويقول الحق بعد ذلك : { وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ ٱلرِّجْزُ … } .