Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 150-150)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وكون موسى يعود إلى قومه حالة كونه غضبان أسِفاً ، يدلنا على أنه علم الخبر بحكاية العجل . والغضب والأسف عملية نفسية فيها حزن وسموها : " المواجيد النفسية " ، أي الشيء الذي يجده الإِنسان في نفسه ، وقد يعبر عن هذه المواجيد بانفعالات نزوعية ، ولذلك تجد فارقاً بين من يحزن ويكبت في نفسه ، وبين من يغضب ، فمن يغضب تنتفخ أوداجه ويحمر وجهه ويستمر هياجه ، وتبرق عيناه بالشر وتندفع يداه ، وهذا اسمه : غضبان . وصار موسى إلى الحالتين الاثنتين وقدّم الغضب لأنه رسول له منهجه . ولا يكفي في مثل هذا الأمر الحزن فقط ، بل لا بد أن يكون هناك الغضب نتيجة هياج الجوارح . وقديماً قلنا : إن كل تصور شعوري له ثلاث مراحل : المرحلة الأولى . مرحلة إدراكية ، ثم مرحلة وجدانية في النفس ، ثم مرحلة نزوعيه بالحركة ، وضربنا المثل لذلك بالوردة . فمن يرى الوردة فهذا إدراك ، وله أن يعجب بها ويسر من شكلها ويطمئن لها ويرتاح ، وهذا وجدان . لكن من يمد يده ليقطفها فهذا نزوع حركي . والتشريع لم يقنن للإِدراك أو للوجدان لكنه قنن للسلوك . إلا في غض البصر عما حرم الله وذلك رعاية لحرمة الأعراض . والأسف عند موسى لن يظهر للمخالفين للمنهج . بل يظهر الغضب وهو عملية نزوعية ، ونلحظ أنه يأتي بكلمة أَسِف . وهي مبالغة . فهناك فرق بين أَسِف وآسف ، آسف خفيفة قليلاً ، لكن أسِف صيغة مبالغة ، مما يدل على أن الحزن قد اشتد عليه وتمكن منه . { قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ … } [ الأعراف : 150 ] . وقوله سبحانه : { أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ } أي استبطأتموني ، وهذا نتيجة لذهاب موسى لثلاثين ليلة وأتممها بعشر ، فتساءل موسى : هل ظننتم أنني لن آتي ؟ أو أنني أبطأت عليكم ؟ وهل كنتم تعتقدون وتؤمنون من أجلي أو من أجل إله قادر ؟ . ولذلك قال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه : عندما انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى : " من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت " . وهنا يقول سيدنا موسى : افترضوا أنكم عجلتم الأمر واستبطأتموني أو خفتم أن أكون قد مت . فهل كنتم تعبدونني أو تعبدون ربنا . { أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ } ، ونعلم أن الألواح فيها المنهج ، وقدر موسى على أخيه : { وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } وهذا " النزوع الغضبي " الذي جعله يأخذ برأس أخيه ، كأن الأخوة هنا لا نفع لها ، فماذا كان رد الأخ هارون : ؟ { قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [ الأعراف : 150 ] . نلحظ أنه قال : " ابن أم " ولم يقل : " ابن أب " لأن أبا موسى وهارون طُوي اسمه في تاريخ النبوات ولم يظهر عنه أي خبر ، والعلم جاءنا عن أمه لأنها هي التي قابلت المشقات في أمر حياته ، لذلك جاء هنا بالقدر المشترك البارز في حياتهما ، ولأن الأمومة مستقر الأرحام لذلك أنت تجد أخوة من الأم ، وأخوة من الأب فقط ، وأخوة من الأب والأم ، والأخوة من الأب والأم أمرهم معروف . لكن نجد في أخوة الأم حناناً ظاهراً ، ويقل الحنان بين الأخوة من الأب . وجاء الحق هنا بالقدر المشترك بينهما - موسى وهارون - وهو أخوة الأم ، وله وجود مستحضر في تاريخهم . أما الأب عمران فنحن لا نعرف عنه شيئاً ، وكل الآيات التي جاءت عن موسى متعلقة بأمه ، لذلك نجد أخاه هارون يكلمه بالأسلوب الذي يحننه : { قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي } . وما دام قد قال : { وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي } فهذا دليل على أنه وقف منهم موقف المعارض والمقاوم الذي أدى ما عليه إلى درجة أنهم فكروا في قتله ، ويتابع الحق بلسان هارون : { فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } . والشماتة هي إظهار الفرح بمصيبة تقع بخصم ، والأعداء هم القوم الذين اتخذوا العجل ، وقد وصفهم بالأعداء كدليل على أنه وقف منهم موقف العداوة ، وأن موقف الخلاف بين موسى وهارون سيفرحهم ، وقوله : { وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ } … إجمال للرأس في عمومها ، وفي آية أخرى يقول : { لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } . ولقد صنع موسى ذلك ليسمع العذر من هارون لأنه يعلم أن هارون رسول مثله ، وأراد أن يسمعنا ويسمع الدنيا حجة أخيه حين أوضح أنه لم يقصر . قال : إن القوم استضعفوني لأني وحدي وكادوا يقتلونني ، مما يدل على أنه قاوم مقاومة وصلت وانتهت إلى آخر مجهودات الطاقة في الحياة حتى أنهم كادوا يقتلونه ، إذن فهو لم يوافقهم على شيء ، ولكنه قاوم على قدر الطاقة البشرية ، لذلك يذيل الحق الآية بقوله سبحانه : { وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } . وكأنه يقول : لموسى إنك أن آخذتني هذه المؤاخذة في حالة غضبك ، ربما ظُنَّ بي أنني كنت معهم ، أو سلكت مسلكهم في اتخاذ العجل وعبادته . وأراد الحق سبحانه أن يبين لنا موقف موسى وموقف أخيه فموقف موسى ظهر حين غضب على أخيه وابن أمه ، وموقف هارون الذي بيّن العلة في أن القوم استضعفوه وكادوا يقتلونه ، ولا يمكن أن يطلب منه فوق هذا ، وحينما قال هارون ذلك تنبه موسى إلى أمرين : الأمر الأول : أنه كيف يلقي الألواح وفيها المنهج ؟ والأمر الثاني : أنه كيف يأخذ أخاه هذه الأخذة قبل أن يتبين وجه الحق منه ؟ ويقول الحق على لسانه بعد ذلك : { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي … } .