Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 161-161)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهذه القصة مذكورة أيضاً في سورة البقرة ، ونعرف أن قوله سبحانه : { وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ } ، ولم يذكر الحق من القائل لأن طبيعة الأمر في الأسباط أنه سبحانه جعل لكل سبط منهم عيناً يشرب منها ، وكل سبط له نقيب ، وهذا دليل على أنهم لا يأتلفون فلا يكون القول من واحد إلى الجميع ، بل يصدر القول من المشرع الأعلى وهو الحق إلى الرسول ، والرسول يقول للنقباء ، والنقباء يقولون للناس . وبعد أن تلقى موسى القول أبلغه للنقباء ، والنقباء قالوه للأسباط ، وفي آية أخرى قال الحق : { وَإِذْ قُلْنَا } . وهذا القول الأول وضعنا أمام لقطة توضح أن المصدر الأصيل في القول هو الله ، ولأنهم أسباط ولكل سبط مشرب لذلك يوضح الحق هنا أنه أوحى لموسى . وساعة ما تسمع " وإذ " فاعلم أن المراد اذكر حين قيل لهم اسكنوا هذه القرية ، لقد قيل إن هذه القرية هي بيت المقدس أو أريحا ، لكنهم قالوا : لن ندخلها أبداً لأن فيها قوماً جبارين وأضافوا : { فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } [ المائدة : 24 ] . والحق لا يبين لنا القرية في هذه الآية لأن هذا أمر غير مهم ، بل جاء بالمسألة المهمة التي لها وزنها وخطرها وهي تنفيذ الأمر على أي مكان يكون : { ٱسْكُنُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا } . ويوضح الحق : أنا تكفلت بكم فيها كما تكفلت بكم في التيه من تظليل غمام ، وتفجير ماء من صخر ، ومَنّ وسلوى . وحين أقول لكم ادخلوا القرية واسكنوها فلن أتخلى عنكم : { وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ } . وقديماً كان لكل قرية باب لذلك يتابع سبحانه : { وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً } . والحطة تعني الدعاء بأن يقولوا : يا رب حط عنا ذنوبنا فنحن قد استجبنا لأمرك وجئنا إلى القرية التي أمرتنا أن نسكنها ، وكان عليهم أن يدخلوها ساجدين لأن الله قد أنجاهم من التيه بعد أن أنعم عليهم ورفّههم فيه . وإذا ما فعلوا ذلك سيكون لهم الثواب وهو : { نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيۤئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ الأعراف : 161 ] . وسبحانه يغفر مرة ثم يكتب حسنة ، أي سلب مضرة ، وجلب منفعة ، لكن هناك في سورة البقرة قد جاء النص التالي : { وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ البقرة : 58 ] . فالكيان العام واحد ونجد خلافاً في الألفاظ واللقطات عن الآية التي وردت في سورة الأعراف . أول خلاف { وَإِذْ قُلْنَا } ، و { وَإِذْ قِيلَ } ، وشاء الحق ذلك ليأتي لنا بلقطة مختلفة كنا أوضحنا من قبل . ففي آية سورة البقرة يقول سبحانه : { ٱدْخُلُواْ } وفي آية سورة الأعراف يقول : { ٱسْكُنُواْ } ، ونعلم أن الدخول يكون لغاية وهي السكن أي ادخلوا لتسكنوا ، وأوضح ذلك بقوله في سورة الأعراف : { ٱسْكُنُواْ } ليبين أن دخولهم ليس للمرور بل للإِقامة . وأراد سبحانه أن يعطيهم الغاية النهائية لأنه لا يسكن أحد في القرية إلا إذا دخلها . وهكذا نرى أن كلمات القرآن لا تأتي لتكرار ، بل للتأسيس وللإِتيان بمعنى جديد يوضح ويبين ويشرح . ويقول الحق هنا في سورة الأعراف : { وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ } . وفي آية سورة البقرة يقول : { فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً } . وحين أمرهم الله بالدخول وكانوا جوعى أمرهم الحق أن يأكلوا ، على الفور والتوّ بتوسع ، لذلك أتى بكلمة " رغداً " لأن حاجتهم إلى الطعام شديدة وملحة ، لكنه بعد أن أمرهم بالسكن أوضح لهم أن يأكلوا لأن السكن يحقق الاستقرار ويتيح للإِنسان أن يأكل براحة وتأن . وقال الحق هنا في سورة الأعراف : { وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً } . أي أنه قدم قولهم " حطة " على السجود ، وفي آية سورة البقرة قدم السجود فقال : { وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ … } [ البقرة : 58 ] . جاء الحق بهذا الاختلاف لأنه علم أن انفعالات السامعين تختلف ساعة الدخول ، فهناك من ينفعل للقول ، فيقول أول دخوله ما أمر به من طلب الحطة وغفران الذنب من الله ، وهناك آخر ينفعل للفعل فيسجد من فور الدخول تنفيذاً لأمر الله . وأيضاً قال الحق هنا في سورة الأعراف : { نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيۤئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ الأعراف : 161 ] . وفي سورة البقرة يقول : { نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ الآية : 58 ] . ونعلم أن صيغة الجمع تختلف فهناك " جمع تكسير " وجمع تأنيث ، ففي جمع التكسير نغير من ترتيب حروف الكلمة ، مثل قولنا " قفل " فنقول في جمعها " أقفال " . أما في جمع التأنيث فنحن نزيد على الكلمة ألفاً وتاء بعد حذف ما قد يوجد في المفرد من علامة تأنيث ، مثل قولنا " فاطمة " ، و " فاطمات " ، و " أكلة " ، و " أكلات " وهذا جمع مؤنث سالم ، أي أن ترتيب حروفه لم يتغير ، وجمع المؤنث السالم يدل على القلة . لكن جمع التكسير يدل على الكثرة فجاء - سبحانه - بجمع المؤنث السالم الذي يدل على القلة وبجمع التكسير الذي يدل على الكثرة لاختلاف درجات ونسب الخطايا لأن المخاطبين غير متساوين في الخطايا ، فهناك من ارتكب أخطاء كثيرة ، وهناك من أخطأ قليلاً . والاختلاف حدث أيضاً في عجز الآيتين ، فقال في سورة البقرة : { وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } وجاء عجز سورة الأعراف بدون " واو " فقال : { سَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } . وقد عودنا ودعانا الحق إلى أن نقول : اغفر لنا وأنت خير الغافرين ، وارحمنا وأنت خير الراحمين ، واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة . وهنا يوضح سبحانه : أنا لن أكتفي بأن أغفر لكم وأن أرفع عنكم الخطايا . لكني سأزيدكم حسناً ، وفي هذا سلب للضرر وجلب للنفع . كأن الله حينما قال : " خطاياكم " بجمع التكسير الذي ينبئ ويدل على كثرة الذنوب والخطايا و " خطيآتكم " التي تدل على القلة انشغلوا وتساءلوا : وماذا بعد الغفران يا رب فقيل ؟ لهم : { سَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } هل سيغفر لنا فقط ، أو أنه سيجازينا بالحسنات أيضاً ؟ وكانت إجابة الله أنه سيغفر لهم ويزيدهم ويمدهم بالحسنات . وقد عقدنا هذه المقارنة المفصلة بين آية سورة البقرة وآية سورة الأعراف لنعرف أن الآيات لا تتصادم مع بعضها البعض ، بل تتكامل مصداقاً لقول الحق : { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً } [ النساء : 82 ] . ويقول الحق بعد ذلك : { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ … } .