Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 162-162)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه الآية تدل على أنهم افترقوا فرقتين لأن الحق سبحانه ما دام قد قال : { مِنْهُمْ } فهذا يعني أن بعضهم قالوا وفعلوا المطلوب ، وبعضهم ظلموا وبدلوا القول ، فقد أمرهم الحق أن يقولوا : " حطة " وطلب منهم أن يدخلوا سجداً . والتغيير منهم جاء في القول لأن القول قد يكون بين الإِنسان وبين نفسه بحيث لا يسمعه سواه . لكن الفعل مرئي مما يدل على أن بعضهم يرائي بعضاً ، ففي القول أرادوا أن يهذروا ويتكلموا بما لا ينبغي ولا يليق ، فبدلاً من أن يقولوا : " حطة " قالوا : " حنطة " استهزاءً بالكلمة . وهكذا نرى أن التبديل جاء في القول ، لكن الفعل لم يأت فيه كلام ، وإن قال بعضهم : إن التبديل أيضاً حدث من بعضهم في الفعل . فبدلاً من أن يدخلوا ساجدين دخلوا زاحفين على مقعداتهم ، كنوع من التعالي ، لكن الحق لم يذكر شيئاً من ذلك لأن سلوكهم في الفعل قد يكون السبب فيه أن بعضهم لا قدرة له على الفعل . { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ … } [ الأعراف : 162 ] . وكأن الحق يذكرنا بما فعله معهم من رعايتهم في أثناء التيه وكيف ظلل عليهم الغمام وأنزل عليهم المن والسلوى ، واستسقى لهم موسى فجاءت المياه . لكن غريزة التبديل والتمرد لم تغادرهم . وما داموا قد بدَّلوا في كلمات الله ، فعليهم أن ينالوا العقاب : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } . وهناك آية ثانية في سورة البقرة يقول فيها الحق : { فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [ البقرة : 59 ] . والفارق بين " الإِنزال " وبين " الإِرسال " أن الإِنزال يكون مرة واحدة . أما الإِرسال فهو مسترسل ومتواصل . ولذلك يقول الحق سبحانه في المطر : { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً } . لأن المطر لا ينزل طوال الوقت من السماء . لكن في الإِرسال استمرار ، اللهم إلا بعضاً من تأثير الهواء . ولذلك يقول الحق : { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ } . فالذي يحتاج إلى استمرارية في الفعل يقول فيه الحق : " أرسل " بدليل أن الله حينما أراد أن يجيء بالطوفان ليغرق المكذبين بموسى قال : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ … } [ الأعراف : 133 ] . وعندما أراد أن يرغب عاداً قوم سيدنا هود في الاستغفار والتوبة والرجوع عما كانوا عليه من الكفر والآثام قال لهم : { وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً … } [ هود : 52 ] . إذن فالإِرسال يعني التواصل ، أما الإِنزال فهو لمرة واحدة ، وأراد الحق سبحانه من قصة بني إسرائيل أن يأتي لنا بلقطة فجاء بكلمة " أنزلنا " ، ولقطة أخرى جاء فيها بـ " أرسلنا " لأن العقوبة تختلف باختلاف المذنبين ، والمذنبون مقولون بالتشكيك ، فهذا له ذنب صغير ، وآخر ذنبه أكبر ، وكل إنسان يأخذ العذاب على قدر ذنبه فمن أذنب ذنباً صغيراً أنزل الله عليه عقاباً على قدر ذنبه . ومن تمادى أرسل الله عليه عذاباً يستمر على قدر ذنوبه الكبيرة . وهنا يقول الحق : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ } [ الأعراف : 162 ] . و " رجزاً " أي عذاباً ، وهناك رِجْز ، ورُجْز ، والرِّجز يُولد من الرُّجْز وينشأ مثل قوله الحق : { وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ } . أي اهجر الرُّجْز … أي المآثم والمعاصي والذنوب لتسلم من الرِّجز … أي من العذاب . وهنا يبين الحق أنهم تلقوا العذاب بسبب ظلمهم ، وهناك في الآية الأخرى قال : { بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } . والفسق يسبق الظلم لأن الإِنسان لا يمكن أن يظلم نفسه بمخالفة منهج إلا إذا فسق أولاً ، ولذلك جاء الحق بالمسبَّب وجاء السبب ، وهكذا نتأكد أن كل كلمة في القرآن جاءت لمعنى أساسي تؤديه ولا تكرار إلا لمجموع القصة في ذاتها ، أما لقطات القصة هنا ، ولقطات القصة هناك فأمور جاءت تأسيساً في كل شيء لتعطي معاني ولقطات جديدة . ويقول الحق بعد ذلك : { وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ … } .