Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 167-167)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وتَأَذَّن نجد مادتها من الهمزة والذال والنون ، فمنه أُذُن ، ومنها أَذَان ، وكلها يراد بها الإِعلام ، والوسيلة للإِعلام هي الأذن والسمع ، حتى الذي سنُعلمه بواسطة الكتابة نقول له ليسمع . ثم يكتب ويقرأ ، وما قرأ إلا بعد أن سمع لأنه لن يعرف القراءة إلا بعد أن يسمع أسماء الحروف " ألف " ، " باء " إلخ ، ثم تهجاها . إذن فلا أحد يقرأ إلا بعد أن يسمع ، وهكذا يكون السمع هو الأصل في المعلومات ، ونقرأ في القرآن : { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } [ الانشقاق : 1 - 2 ] . وأذنت لربها … أي سمعت لربها ، فبمجرد أن قال لها : " انشقي " امتثلت وانشقت . { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ الأعراف : 167 ] . والكلام هنا بالنسبة لبني إسرائيل ، ويبين لنا سبحانه أنهم مع كونهم مختارين في أن يفعلوا ، " فإن مواقفهم الإِيمانية ستظل متقلبة مترددة ، ولن يهدأ لهم حال في نشر الفساد وإشاعته ، ولذلك يسلط الله عليهم من يسومهم سوء العذاب ولماذا ؟ . لأنهم منسوبون لدين ، والله لا يسوم العذاب للكافر به وللملحد ، لأنه بكفره وإلحاده خرج عن هذه الدائرة ، إذا لم يبعث الله له رسولاً . ولكن المنسوب لله ديانة ، والمنسوب لله رسالة ، والمنسوب لله كتاباً إذا فسد مع كون الناس ويعلمون عنه أنه تابع لنبي ، وأن له كتاباً ، حينئذ يكون أسوة سيئة في الفساد للناس ، فإذا ما سلط الله عليهم العذاب فإنما يسلط عليهم لا لأجل الفساد فقط ، ولكن لأنه فساد منسوب لمن هو منسوب إلى الله . وعرفنا أن مادة أذن كلها مناط الإِعلام ، وحينما تكلم الله عن خلقنا قال : { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ … } [ النحل : 78 ] . إنّ الحق - سبحانه - يسمي العرب المعاصرين لرسول الله أميين ، أي ليس عندهم شيء من أسباب العلم ، وسبحانه خلق لنا وسائل العلم . بأن جعل لنا السمع والأبصار والأفئدة ، وهي وسائل العلم التي تبدأ بالسمع ثم بالأبصار ثم الأفئدة . ومن العجيب أنه رتبها في أداء وظيفتها لأن الإِنسان منا إذا كان له وليد - كما قلنا سابقاً - ثم جاء أحد بعد ميلاده ووضع أصبعه أمام عينيه فإنه لا يطرف لأنه عينيه لم تؤديا بعد مهمة الرؤية ، وعيون الوليد لا تؤديان مهمة الرؤية إلا بعد مدة من ثلاثة أيام إلى عشرة ، ولكنك إذا جئت في أذنه وصرخت انفعل . إن هذا دليل على أن أذنه أدت مهمتها من فور ولادته ، بينما عيناه لا تؤديان مهمة الرؤية إلا بعد مدة ، فأولاً يأتي السمع ، ثم يأتي البصر ، ومن السمع والبصر تتكون المعلومات ، فتنشأ عند الإِنسان معلومات عقلية ، ويقولون للطفل مثلاً : إياك أن تقبل على هذه النار حتى لا تحرقك ، فلا يصدق ، ومنظر النار يجذبه فيلمسها ، فتلسعه مرة واحدة ، وبعد أن لسعته النار مرة واحدة ، لم يعد في حاجة إلى أن يتكرر له القول : بأن النار محرقة . فقد تكونت عنده معلومة عقلية . فأولاً يأتي السمع ، ثم الأبصار ، ثم تأتي الأفئدة . ولذلك قال سبحانه : { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } . تشكرون له سبحانه أن أمدكم بوسائل العلم ليخرجكم مِن أميتكم . وهناك لفتة إعجازية أخرى فحين تكلم الحق عن وسائل العلم ، تكلم عن السمع بالإِفراد ، وعن الأبصار بالجمع . مع أن هذه آلة ، وهذه آلة فقال : السمع والأبصار ولم يقل السمع والبصر ، ولم يقل الأسماع والأبصار لأن السمع هي الآلة التي تلتقط الأصوات ، وليس لها سد من طبيعتها ، أما العين فليست كذلك ، ففي طبيعة تكوينها حجاب لتغمض . وإذا أنت أصدرت صوتاً من فمك يسمعه الكل ، وعلى هذا فمناط السمع واحد ، لكن في أي منظر من المناظر قد تكون لديك رغبة في أن تراه ، فتفتح عينيك ، وإن لم تكن بك رغبة للرؤية فأنت تغمضهما . إذن فالأبصار تتعدد مرائيها ، أما السمع فواحد ولا اختيار لك في أن تسمع أو لا تسمع . أما البصر فلك اختيار في أن ترى أو لا ترى ، وهذه أمور رتبها لنا الحق في القرآن قبل أن ينشأ علم وظائف الأعضاء ، ورتبها سبحانه فأفرد في السمع ، وجمع في البصر مع أنهما في مهمة واحدة ، إلا آية واحدة جاءت في القرآن : { إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [ الإِسراء : 36 ] . قال الحق ذلك لأن المسئولية هنا هي الفردية الذاتية ، وكل واحد مسئول عن سمعه وبصره وفؤاده ، وليس مسئولاً عن أسماع وأبصار وأفئدة الناس . ونرى مادة السمع قد تقدمت ، وبعدها جاءت مادة البصر إلا في آية واحدة أيضاً ، تتحدث عن يوم القيامة : { رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا … } [ السجدة : 12 ] . هنا قدّم الحق مادة الإبصار على مادة السمع لأن هول القيامة ساعة يأتي سنرى تغيراً في الكون قبل أن نسمع شيئاً . { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ الأعراف : 167 ] . وتأذَّن أي أَعْلم الله إعلاماً مؤكداً بأنكم يا بني إسرائيل ستظلون على انحراف دائم ، ولذلك سيسلط الله عليكم من يسومكم سوء العذاب ، إما من جهة إيمانية ، مثلما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني النضير وبني قريظة وبني قينقاع وخيبر ، وإما أن يسلط عليهم حاكماً ظالماً غير متدين ، مصداقاً لقوله الحق : { وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضاً … } [ الأنعام : 129 ] . وكذلك مثلما حدث من بختنصر ، وهتلر . إذن { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ } أي أعلم ربك إعلاماً مؤكداً لأن البشر قد يُعْلمون بشيء ، ولكن قدرتهم ليست مضمونة لكي يعلموا ما أعلموا به ، فإذا أعلمت أنت بشيء فأنت قد لا تملك أدوات التنفيذ ، أمّا الله - سبحانه - فهو المالك لأدوات التنفيذ ، والإعلام منه مؤكد ، ولذلك يُعْلم بالشيء ، أما غيره فالظروف المحيطة به قد لا تساعده على أن ينفذ . مثال ذلك : صحابة رسول الله الأول وهم مستضعفون ولم يستطيعوا أن يحموا أنفسهم من اضطهاد المشركين والكافرين ، وصار كل واحد يبحث لنفسه عن مكان يأمن فيه منهم من يذهب إلى الحبشة أو يذهب إلى قوي يحتمي به ، فينزل الله في هذه الظروف العصيبة آية قرآنية لرسول الله يقول فيها : { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } [ القمر : 45 ] . وتساءل البعض كيف يُهزمون ونحن غير قادرين على حماية أنفسنا . فعندما نزلت هذه الآية قال سيدنا عمر : أي جمع يُهزم ، قال عمر : فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يثب في الدروع وهو يقول : { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } ، فعرفت تأويلها يومئذ . إن الله سبحانه وتعالى أَعْلَمَ بالنصر . وهو قادر على إنفاذ ما أعْلَم به على وفق ما أعَلم لأنه لا يوجد إله آخر يصادمه . إذن { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ } يعني أعلم إعلاماً مؤكداً ، وحيثية الإعلام المؤكد أنه لا توجد قوة أخرى تمنع قدرته ولا تنقض حكمه . { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ … } بالأعراف : 167 ] . أي يبعث الله عليهم من يسومهم سوء العذاب . وهناك بنص القرآن مبعوث ، والله يخلي بينه وبينهم ، فلا يمنعهم الله منه ، إنما يسلط الله عليهم العذاب باختيار الظالم . مثلما قال الحق : { أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً } [ مريم : 83 ] . أي أنه - سبحانه - أرسلهم لهذه المهمة وخلّى بينهم وبين الذين يستمعون إليهم : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } . وكلمة { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } تفيد أن هذا العنصر ، المشاكس من اليهود سيبقى في الكون كخميرة عكننة إلى أن تقوم الساعة ، لماذا ؟ ! هم يقومون بمهمة الشر في الوجود ، ولولا أن هذا الشر موجود في الوجود ، ويعضُّ الناس بمساوئه وإفساداته ، لم يكن من الناس من يتهافت على الحق وعلى الخير . فالشر - إذن - جاء ليعضّ الناس بآلامه وإفساده ليتجه الناس إلى الخير ، ولذلك تجد أقوى انفعالات تعتمل في صدور المسلمين وأقوى نزوع حركي إلى الإِسلام حين يجدون مَن يضطهد قضية الإِسلام . إنَ مهمة الشر في الوجود أنه يجمع عناصر الخير في الوجود ومهمة الباطل في الوجود أنه يحفز عناصر الحق ويحضهم على محاربة الشر ومناهضته لأن الباطل حين يعم ، ويتضايق منه الناس ، ترفع يدها وتقول : يا ناس افعلوا الخير . ولو لم يحدث ذلك فلن تجد من يقبل على الخير بحمية وحرارة . { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ . . } [ الأعراف : 167 ] . ويسوم من مادتها سام ، ونسمعها في البهائم ونسميها السائمة وهي التي تطلب مقومات حياتها ، وليس صاحبها هو الذي يجهز لها مقومات حياتها . أما البهائم التي تُرْبط وليست سائمة التي تجد من يجهز لها طعامها ، إذن أصل " سام " أي طلب ، وبهيمة سائمة أي تطلب رزقها وأكلها بنفسها . و " سام " أيضاً أي طلب العذاب . ولا يطلب أحد العذاب إلا أن يكون قد أفرغ قوته في التعذيب . فيطلب ممن يقدر على العذاب أن يعذب ، أي أن الله يسلط ويبعث عليهم من يقوم بتعذيبهم جهد طاقته ، فإذا فترت طاقته أو ضعفت فإنه يستعين على تعذيبهم بغيره . إذن فطلب العذاب معناه أنّه : عَذَّب هو ، ولم يكتف بأنه عذَّب بل طلب لهم عذاباً آخر ، و { يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } أي العذاب السيىء الشديد . ويذيل الحق الآية بقوله تعالى : { إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ الأعراف : 167 ] . ومعنى سرعة الشيء أن تأخذه زمناً أقل مما يتوقع له لأن السرعة هي اختصار الزمن . { لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ } هي للدنيا وللآخرة ، فساعة يقترفون ذنباً . يسلط عليهم من يعذبهم في الدنيا ، أما الآخرة ففيها سرعة عالية لأن مسافة كل إنسان إلى العذاب ليست هي عمر الدنيا ، فالإِنسان بمجرد أن يموت تنتهي الدنيا بالنسبة له . والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا مات أحدكم فقد قامت قيامته " . إن هناك سرعة لحساب الآخرة . وحتى لو افترضنا أننا سنبقى جميعاً دون حساب إلى أن تنتهي الدنيا ، فإن الحساب سيكون سريعاً لأن كل لحظة تمر على أي إنسان تقربه من العقاب ، وحتى لو كان عمر الدنيا مليون سنة ، فكل يوم يمر سينقص من عمر الدنيا . وحين يقول الحق سبحانه بعد سرعة العقاب { وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } قد نجد من يسأل كيف والحديث هنا عن العقاب ؟ ونقول : إنه سبحانه الذي يتكلم . وهو القادر ، فإذا قال : أنه لسريع العقاب ، فهذا يعني أنه يسرع بعقاب المفسدين والظالمين لأنه غفور رحيم بالمظلومين الذين يُظلمون ، إذن فسرعة عقاب الظّلمَة رحمة منه بالمظلومين . أو أن الله كما قال " سريع العقاب " فإنه - سبحانه - يأتي بالمقابل لكي يشجع كل إنسان على الدخول في رحمته . ويقول سبحانه بعد ذلك : { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ … } .