Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 170-170)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إنّ الكثير من بني إسرائيل ورثوا الكتاب ، وأخذوا العرض الأدنى ، ولم يزنوا الأمور بعقولهم لذلك لم يتمسكوا بالكتاب ، وتركوه ، وساروا على هواهم كأنهم غير مقيدين بمنهج افعل كذَا ولا تفعل كذَا ، ويقابلهم بعض الذين يتمسكون بالكتاب الذي ورثوه ، ولا يقولوا على الله إلا الحق . ومادة الميم والسين والكاف تدل على الارتباط الوثيق فالذي يجعل الانسان متصلاً بالشيء هو ماسكه ، وتقول : " مسَكَ " وتقول : " مَسَّكَ " ، و " أمسك " ، وتقول " استمسك " ، و " تماسك " ، وكلها مادة واحدة . وقوله الحق : " يمسِّكون " مبالغة في المسك ، كُل قطع وقطَّع ، ولكن قطَّع أبلغ . و " مسَّك " يعني أن الماسك تمكن مما يمسك ، و " استمسك " أي طلب ، و " تماسك " أي أنّ هناك تفاعلاً بين الاثنين بين الماسك والممسوك . ومن رحمة ربنا أنه لا يطلب منا أن نمسك الكتاب . بل يطلب أن نستمسك بالكتاب ، ولذلك يوضح لك الحق سبحانه وتعالى : إن أنت ملت إلى القرب مني والزلفى إليّ ، فاترك الباقي عنك فالمعونة منّي أنا ، ولذلك يدلنا على أن من ينفذ منهج القرآن لا يلقى الهوان أبداً { فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا } وهنا يستخدم الحق سبحانه كلمة استمسك لا كلمة مسَك ، فمن وجه نيته في أن يفعل يعطيه الله المعونة ، ولذلك يقول سبحانه في الحديث القدسي : " أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ، ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ، ذكرته في ملأ خير منه ، وإن تقرب إليَّ بشبر ، تقربت إليه ذراعاً ، وإن تقرب إليّ ذراعا ، تقربت إليه باعاً ، وإن أتاني يمشي ، أتيته هرولة . " فأنت بإيمانك بالله تعزز نفسك وتقويها بمعونه الله لك . فإن أردت أن يذكرك الله فاذكر الله فإن ذكرته في نفسك يذكرك في نفسه ، وإن ذكرته في ملأ يذكرك في ملأ خير منه ، وإن تقربت إليه شبراً تقرب إليك ذراعاً ، فماذا تريد أكثر من ذلك ، خاصة أنك لن تضيف إليه شيئاً ، إذن فالموقف في يدك ، فإذا أردت أن يكون الله معك فسر في طريقه تأت لك المعونة فوراً . وهكذا يكون الموقف معك وينتقل إليك ، وذلك بإيمانك بالله وإقبالك على حب الارتباط به . ولذلك قلنا من قبل : إن الانسان إذا أراد أن يلقى عظيماً من عظماء الدنيا وفي يده مصلحة من مصالح الإِنسان فهو يكتب طلباً ، فإما أن يوافق هذا العظيم وإما ألاّ يوافق ، وحين يوافق هذا العظيم يحدد الزمان ويحدد المكان ، ويسألك مدير مكتبه عن الموضوعات التي ستتكلم فيها ، وحين تقابله وينتهي الوقت ، فهو يقف من كرسيه لينهي المقابلة ، هذا هو العظيم من البشر ، لكن ماذا عن العظيم الأعظم الأعلى الذي تلتقي به في الإِيمان ؟ أنت تلقى الله في أي وقت ، وفي أي مكان ، وتقول له ما تريد ، وأنت الذي تنهي المقابلة ، ألا يكفي كل ذلك لتستمسك بالإِيمان ؟ . { وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَابِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ } [ الأعراف : 170 ] . والكتاب هنا هو الكتاب الموروث ، والمقصود به التوراة وهو الذي درسوا ما فيه ، وقد أخذ الله في هذا الكتاب الميثاق عليهم ألا يقولوا على الله إلا الحق ، والحق يقول هنا : { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } فهل هذا الكتاب ليس فيه إلا الصلاة ؟ لا ، ولكنه خص الصلاة بالذكر . لأننا نعلم أن الصلاة عماد الدين ، وعرفنا في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أن الصلاة قد فرضت بالمباشرة ، وكل فروض الإِسلام - غير الصلاة - قد فرضت بالوحي . لقد قلنا من قبل ولله المثل الأعلى ، إن رئيس أي مصلحة حكومية حين يريد أمراً عادياً رُوتينياً ، فهو يوقع الورق الذي يحمل هذا الأمر ويكتب عليه : " يعرض على فلان " ويأخذ الورق مجراه ، وحين يهتم بأمر أكثر ، فهو يتحدث تليفونياً إلى الموظف المختص ، وحين يكون الأمر غاية في الأهمية القصوى فهو يطلب من الموظف أن يحضر لديه ، وهكذا فرضت الصلاة بهذا الشكل لأنها الإِعلان الدائم للولاء لله خمس مرات في اليوم ، وإن شئت أن تزيد على ذلك تنفلا وتهجداً فعلت . إنك بالصلاة توالى الله بكل أحكامه ، إنك توالي الله بالزكاة كل سنة ، وبالصوم في شهر واحد هو رمضان ، وبالحج مرة واحدة في العمر إن استطعت . لكن الصلاة ولاء دائم متجدد ، ولأن الصلاة لها كل هذه الأهمية لذلك لا تسقط أبداً . وأركان الإِسلام - كما نعلم - خمسة شهادة أن لا إله إلا اله وأن محمداً رسول الله ، إنها الإِيمان بالله وبالرسول كوحدة واحدة لا تنفصل ، ويكفي أن ينطقها الإِنسان مرة لتكتب له ، ثم تأتي أركان الصلاة ، والزكاة ، والصوم والحج ، والحج ليس ركناً مفروضاً إلا على من يستطيعون . قد لا يكون للإِنسان مال يخرج عنه الزكاة فلا يجب عليه إخراج شيء حينئذ ، وقد يكون الإِنسان مريضاً أو مسافراً فلا يصوم . إذن فبعض فروض الإِسلام قد تسقط عن المسلم ، إلا الصلاة فهي لا تسقط أبداً لأن في الصلاة في ظاهر الأمر قطعاً لبعض الوقت عن حركة عملك ، وإن كان كل فرض يأخذ مثلاً نصف ساعة ، فالإِنسان يقتطع من وقته ساعتين ونصف الساعة كل يوم في أداء الصلاة . والوقت عزيز عند الإِنسان . ففي الصلاة بذل لبعض الوقت الذي يستطيع أن يكسب الإِنسان فيه مالاً ، وفيها أيضاً الصوم عن الأكل والشرب ومباشرة الزوجات ، ففيها كل مقومات أركان الإِسلام ، لذا فهي لا تسقط أبدا . { وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَابِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ … } [ الأعراف : 170 ] . إذن الاستمساك واضح هنا جداً ، وأداء الصلاة تعبير عن الالتزام بالاستمساك بمنهج الإِيمان . ولذلك نسمع من يقول : حين ذهبنا إلى مكة والمدينة عشنا الصفاء النفسي والإِشراق الروحي ، وعشنا مع التجلِّي والنور الذي يغمر الأعماق . وأقول لمن يقول ذلك : إن ربنا هنا هو ربنا هناك ، فقط أنت هناك التزمت ، وساعة كنت تسمع الأذان كنت تجري وتسعى إلى الصلاة ، وإذا صنعت هنا مثلما صنعت هناك فسترى التجليات نفسها . إذن إن صرت على ولاء دائم مع الحق سبحانه وتعالى فالحق لن يضيع أجرك كأحد المصلحين . لأنه القائل : { إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ } . وهذه قضية عامة ، والحق سبحانه وتعالى لا يضيع أجر المصلح . وقوله : { إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ } بعد قوله : { يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَابِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } دليل على أن أي إصلاح في المجتمع يعتمد على من يمسكون بالكتاب ويقيمون الصلاة لأن المجتمع لا يصلح إلا إذا استدمت أنت صلتك بمن خلقك وخلق المجتمع ، وأنزل لك المنهج القويم . ويقول الحق بعد ذلك : { وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ … } .