Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 194-194)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
و { تَدْعُونَ } لها معنيان ، المعنى الأول يعني أنكم قد تتخذونهم آلهة وتعبدونهم ، والمعنى الثاني هو أن يقال : " تدعونه " أي تطلب منه شيئاً . والمعنيان يجيئان في هذه الآية : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَٱدْعُوهُمْ } . وعنْدَما يسمع الإنسان كلمة " عباد " يفهم أنها من الجنس المتعقل الحي ، فكيف تكون الأصنام عباداً ؟ وأقول : نحن هنا نأخذها على شهرة اللفظ ، أما إذا أردنا تحقيق اللفظ وتعقيده ، فالبناء مأخوذ من التذلل والخضوع ، ألم يقل موسى لفرعون : ؟ { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ } [ الشعراء : 22 ] . أي أذللتهم . وفي الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها تكون الأصنام عباداً أمثالهم في أنهم يُذلون لأن السيل إذا نزل أو هبت الريح نجد هذه الأصنام قد وقعت وتكسرت رقابها ، فيهرع المشركون ليأتوا بمن يعيد ترميم هذه الآلهة ! ! إذن فأنتم أيها المشركون لأنكم مخلوقون بالله قد تملكون قدرة ، وقوة تستطيعون بها إن جاء لكم ضر أن تدفعوا الضر عنكم ، أما الأصنام فليست لها أدنى قدرة إن جاءها من يحطمها ، أو يكسرها ، أو يقلبها ، فهي أضعف منكم . وبذلك تكون كلمة { عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } لوناً من الترقي . وعلى فرض أنهم عباد أمثالكم ، فالعبد من الأحياء حينما يأتي شيء يستذله ، قد يستطيع أن يدفع عن نفسه بعض الشيء إلا إن كان الشيء قوياً فوق طاقته . فالمراد والمقصود أنهم عباد أمثالكم أي مذللون ومسخرون ولا يستطيعون دفع شيء عن أنفسهم . وأنت إذا ما نظرت إلى هذه المسألة وأخذت معنى عباد على معناها الإطلاقي ، فأنت تعلم أن العبد هو كل مسخر مذلل من العباد . لكن هناك مذلل ومسخر فيما لا اختيار له فيه ، وآخر مذلل ومسخر فيما له فيه اختيار أيضاً ، والفرق بين الاثنين أن الكافر فيما له اختيار إما أن يؤمن وإما أن لا يؤمن ويختار الكفر ، بل إن الإنسان المؤمن له الاختيار في أن يطيع أو يعصي . ولكن هناك أشياء أخرى تجري على الإنسان لا اختيار له فيها ، كأن يمرض ولا يقدر أن يقول : لا لن أمرض ، أو قد يأتيه الموت فلا يقدر أن يقول : لن أموت . وقد يهلك ماله أو تحترق داره فلا يستطيع دفع القدر ، وكل هذه أمور قهرية يكون الإنسان فيها مذللاً مسخراً ، والكافر والمؤمن في هذه الأمور سواء . والمؤمن يتميز بأنه يتبع منهج الله فيما له فيه اختيار ، وهذه فائدة الإيمان ، وبذلك يخرج المؤمن عن الاختيار المخلوق لله ، إلى مراد الله منه في الحكم ، ويستوي بكل شيء مسخر لله ، ولذلك نقول للذين يكفرون : كفرتم وتأبيتم بما خلق فيكم من الاختيار عن الإيمان بالله . وقد جعلها الله لكم بقوله : { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } [ الكهف : 29 ] . وما دام الواحد منكم أيها الكافرون يتأبى ويستكبر على حكم الله ، إذن فللواحد منكم أيها الكافرون رياضة على التمرد ، فلماذا لا تقول للمرض لن أستسلم لك . ولن يستطيع أحد الكافرين ذلك ، لأنه إنما يكفر بما له حق ممنوح من الله في منطقة الاختيار ، أما في غير ذلك فالكل عباد مذللون . { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَٱدْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ } [ الأعراف : 194 ] . وقول الحق تبارك وتعالى : { فَٱدْعُوهُمْ } أي اطلبوا منهم أن يلبوا لكم أي طلب ، وهم لن يستجيبوا لكم لأنهم لا يقدرون أبداً . وفي هذا القول لون من التحدي { فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ } لكنهم لن يستجيبوا ، فليست لهم قدرة لأن يخرجوا على أمر ربنا ويقولوا سنعطيكم ما تطلبون ، لأن طاقتهم وطبيعتهم لا تقدر أن تستجيب . وبعد أن قال الحق عن الأصنام : إنهم عباد أمثالكم ، أراد أن ينزلهم منزلة أدنى من البشر فقال : { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ … } .