Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 195-195)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وينبه الحق تبارك وتعالى كل مشرك ، وكأنه يقول له : أنت لك رجل تمشي بها ، ولك يد قد تبطش بها ، ولك أذن تسمع ، ولك عين تبصر ، فهل للأصنام حواس مثل هذه ؟ . لا ، ليست لهم ، إذن ، فالأصنام أقل منك ، فكيف تجعل الأقل إلهاً للأكبر ؟ إن هذا هو جوهر الخيبة . وقوله : { يَمْشُونَ بِهَآ } ، و { يَسْمَعُونَ } و { يُبْصِرُونَ } جاءت لأن المشركين صوروا التمثال وله رجلان وله اذنان وله عينان ويضعون في مكان كل عين خرزة لتكون مثل حدقة العين ، وحين ينظر إنسان منهم إلى التمثال يخيل إليه أن التمثال ينظر إليه . ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى : { يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } [ الأعراف : 198 ] . وفي قوله تعالى : { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } [ الأعراف : 195 ] . حين يعرض الحق مثل هذه الأمور بأسلوب الاستفهام . فإنما يريد أن يحقق المسائل عن أقوى طريق ، لأن الاستفهام لا بد له من إجابة . والكلام من الله عند الكافر يحتمل الصدق ويحتمل الكذب . وإجابة الكافر ستكون قطعاً بعدم استطاعة الأصنام المشي أو اللمس أو الرؤية أو السماع لذلك أراد الحق ألا يكون الحكم من جهته . بل الحكم من جهة المشركين ، وفي هذا إقرار منهم . ولذلك يقول الحق مخاطباً الرسول صلى الله عليه وسلم . { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } [ الانشراح : 1 ] . أما كان يستطيع سبحانه وتعالى أن يقول : شرحنا لك صدرك ؟ كان يستطيع ذلك . ولكنه يأتي بالاستفهام الذي يكون جوابه : بلى لقد شرحت لي صدري . وينبه قوله تعالى : { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } . إلى مقارنة الأصنام بالبشر . فالبشر لهم أرجل وأيْد وأعين وآذان ، وكل من هذه الجوارح لها عمل تؤديه ، وهكذا يتأكد للمشركين أنّهم أعلى مرتبة من أصنامهم . فكيف يجوز في عرف العقل أن يكون الأعلى مرتبة مربوباً للأدنى مرتبة ؟ إن ذلك لون من الحمق . { قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } [ الأعراف : 195 ] . ورسول الله جاء بهذا القول ليدحض إيمانهم بهذه الأصنام التي اتخذوها آلهة وليسفه أحلامهم فيها ، وبذلك أعلن العداوة ضدهم - العابدين ، والمعبودين - وصارت خصومة واقعة ، وسألهم أن يدعوا الشركاء ليكيدوا لرسول الله بالأذى أو التعب أو منع النصر الذي جاء للإسلام ، إن كانت عندكم أو عندهم قدرة على ضر أو نفع . { قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } . ويتحداهم صلى الله عليه وسلم أن يكيدوا هم وآلهتهم ، والكيد هو التدبير الخفي المحكم . وانظروا ما سوف يحدث ، ولن يصيب رسول الله بإذن ربه أدنى ضر . ولذلك نجد الحق سبحانه وتعالى قد أجرى على رسول الله أشياء ، ليثبت بها أشياء ، وقد قالوا : إن واحداً قد سحر النبي ، ولنفرض أن مثل ذلك السحر قد حصل ، فكيف ينسحر النبي ؟ ونقول : ومن الذي قال : إنه سحر ؟ . إن ربنا أعلمه بالساحر وبنوع السحر ، وأين وضع الشيء الذي عليه السحر ، ليبين لهم أن كيدهم حتى بواسطة شياطينهم مفضوح عند الله . { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ } [ الأنفال : 30 ] . وهم كانوا قد بيتوا المكر لرسول الله وأرادوا أن يضربوه ضربة واحدة ليتفرق دمه في القبائل ، فأوضح ربنا : أنتم بَيَّتُمْ ، ولكن مكركم يبور أمام أعينكم . وليثبت لهم أنهم بالمواجهة لن يستطيعوا مصادمته في دعوته . ولا بالتبييت البشري يستطيعون أن يصدموا دعوته ، ولا بتبييت الجن - وهم أكثر قدرة على التصرف - يستطيعون مواجهة دعوته . وما داموا قد عرفوا أنهم لن يظهروا على الرسول ، ولن يفيد مكرهم أو سحرهم أو كيدهم مع شياطينهم ، إذن فلا بد أن ييأسوا ، ولذلك تحداهم وقال : { قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } [ الأعراف : 195 ] . وأنظره يعني أخره ، والقول هنا : لا تؤخروا كيدكم مع شركائكم . بل نفذوا الكيد بسرعة ، وقد أمر الحق رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول ذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما آوى إلى ركن شديد لذلك يقول رسول الله بأمر الحق : { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ … } .