Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 23-23)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وتلك هي الكلمات التي قال الله عنها في سياق آخر : { فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ … } [ البقرة : 37 ] . فكأن الحق سبحانه وتعالى قدَّر غفلة خلقه عن المنهج فشرّع لهم وسائل التوبة إليه ، ووسائل التوبة ثلاث مراحل : تشريعها رحمة ، ثم الإقبال عليها من المذنب اعترافاً وإنابة ، وقبولها منه سبحانه رحمة ، فالتشريع يطلب منك أن تفعل ، وحين تتوب يتوب الله عليك . تشريع التوبة - إذن - رحمة ، لا بالمذنب فقط ، بل وبغيره أيضاً لأن الله لو لم يشرع التوبة ، كان الذي يعمل معصية ، ولا يجد مغفرة ، يستشري في المعاصي ، وإذا استشرى في المعاصي تعب المجتمع كله . { قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [ الأعراف : 23 ] . وهذا هو الموقف بعد الذنب من آدم وزوجته ، وهو يختلف عن موقف إبليس بعد الذنب فإبليس أراد أن يبرر المخالفة : { قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } [ الإسراء : 61 ] . فماذا قال آدم وحواء ؟ : { رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [ الأعراف : 23 ] . ولذلك كان جزاء إبليس - وهو المتأبي على أوامر الله وحكمه - أن يطرد من رحمته . وجزاء المعترف بأنه أذنب ، وأنه ظلم نفسه أن تُقبل توبته . إذن لا يصح للناس الذين يقيمون على معصية أن يقول الواحد منهم : " هذه هي ظروفي " ، ويبرر ويحلل ما يفعله من المعاصي ، بل على الواحد منهم ألا يطرد نفسه بنفسه من منطقة الرحمة ، وعليه أن يقول : " ما أفعله حرام ، لكن لا أقدر على نفسي " وبذلك لا يكون قد ردّ الحكم ، بل اتهم نفسه بالتقصير واعترف بالذنب ، فصار أهلاً للمغفرة وأهلاً للتوبة . وهنا نسأل : ما الفرق بين معصية إبليس ومعصية آدم ؟ . نقول : إبليس عصى وجاء بحيثية رفض الأمر ، لكن آدم عصى وأقر بالذنب وطلب المغفرة . وحين قال آدم وزوجته حواء : { رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا } معاً وفي نَفَس واحد ، ونغمة حزينة نادمة ، ألا يدل ذلك على أنهما قد تعلماها ؟ . إن كلا منهما لو اعتذر لله بمفرده لاختلفا في أسلوب الاعتذار . وهذا دليل على أنها ملقنة ، ولهذا قال ربنا . { فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ … } [ البقرة : 37 ] . وهما قد قالا : { رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا } ، وأنفسنا جمع نَفْس ، ولم يقولا " نفسينا " ، بل قالا { أَنفُسَنَا } أي أن قلبيهما أيضاً قد صفيا وخلصا من أثر تلك المعصية ، وأن ذلك مطمور وداخل في نفوس ذريتهما . ويقول الحق بعد ذلك : { قَالَ ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ … } .