Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 26-26)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وكلمة { يَابَنِيۤ ءَادَمَ } لفت إلى أن تتذكروا ماضي أبيكم مع عدوكم المبين ، إبليس ، أنتم أولاد آدم ، والشيطان موجود ، فانتبهوا . لقد أنزل الحق عليكم لباساً يواري سوءاتكم لأن أول مخالفة حدثت كشفت السوءة ، والإنزال يقتضي جهة علو لنفهم أن كل خير في الأرض يهبط مدده من السماء ، وسبحانه هو من أنزل اللباس لأنه هو الذي أنزل المطر ، والمطر روى بذور النبات فخرجت النباتات التي غزلناها فصارت ملابس ، وكأنك لو نسبت كل خير لوجدته هابطاً من السماء . ولذلك يمتن الحق سبحانه وتعالى على عباده فيقول : { وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ … } [ الزمر : 6 ] . نعم هو الذي أنزل من الأنعام أيضاً لأن السببية في النبات من مرحلة أولى ، والسببية في الحيوان من مرحلة ثانية ، فهو الذي جعل النبات يخرج من الأرض ليتغذى عليه الحيوان ، ويقول سبحانه أيضاً : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ … } [ الحديد : 25 ] . نعم فسبحانه هو من أنزل الحديد أيضاً لأننا نأخذه من الأرض التي خلقها الله ، وهذا دليل على أن التنزيلات إنما أراد الله أن يحمي بها كل منهج . { يَابَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ … } [ الأعراف : 26 ] . فإذا كنا قد أنزلنا اللباس الذي يواري سوءات الحس وسوءات المادة ، كذلك أنزلنا اللباس الذي يواري سوءات القيم . فكلما أنكم تحسّون وتدركون أن اللباس المادي يداري ويواري السوءة المادية الحسية فيجب أن تعلموا أيضاً أن اللباس الذي ينزله الله من القيم إنما يواري ويستر به سواءتكم المعنوية . ولباس الحياة المادية لم يقف عند مواراة السوءات فقط ، بل تعدى ذلك إلى ترف الحياة أيضاً . لذلك قال الحق : { قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } [ الأعراف : 26 ] . والريش كساء الطير ، وقديماً كانوا يأخذون ريش الطير ليزينوا به الملابس . وكانوا يضعون الريش على التيجان ، وأخذ العوام هذه الكلمة وقالوا : فلان مريش أي لا يملك مقومات الحياة فقط ، بل عنده ترف الحياة أيضاً ، فكأن هذا القول الكريم قد جاء بمشروعية الترف شريطة أن يكون ذلك في حل . وقبل أن يلفتنا الحق سبحانه وتعالى إلى مقومات الحياة لفتنا إلى الجمال في الحياة ، فقال سبحانه : { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً … } [ النحل : 8 ] . والركوب لتجنب المشقة ، والزينة من أجل الجَمَال . وكذلك يقول الحق سبحانه : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ … } [ الأعراف : 32 ] . بل سبحانه طلب زينتنا في اللقاء له في بيته فيقول : { يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ … } [ الأعراف : 31 ] . إذن فهذا أمر بالزينة ، وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يقول سبحانه : { وَرِيشاً وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ . . } [ الأعراف : 26 ] . نعم إن لباس التقوى خير من ذلك كله لأن اللباس المادي يستر العورة المادية ، وقصاراه أن يكون فيه مواراة وستر لفضوح الدنيا ، لكن لباس التقوى يواري عنا فضوح الآخرة . أو لباس التقوى هو الذي تتقون به أهوال الحروب إنّه خير من لباس الزينة والرياش لأنكم تحمون به أنفسكم من القتل ، أو ذلك اللباس - لباس التقوى - خير من اللباس المادي وهو من آيات الله ، أي من عجائبه ، وهو من الأشياء اللافتة فالإِنسان منكم مكون من مادة لها احتياجات مادية وعورات مادية ، وهناك أمور قيمية لا تنتظم الحياة إلا بها ، وقد أعطاك الحق مقومات الحياة المادية ، وزينة الحياة المادية ، وأعطاك ما تحيا به في السلم والحرب ، ومنهج التقوى يحقق لك كل هذه المزايا . فخذ الآيات مما تعلم ومما تحس لتستنبط منها ما يغيب عنك مما لا تحس . ويقول الحق بعد ذلك : { يَابَنِيۤ ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ … } .