Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 28-28)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والفاحشة مأخوذة من التفحش أي التزايد في القبح ، ولذلك صرفها بعض العلماء إلى لون خاص من الذنوب ، وهو الزنا ، لأن هذا تزيد في القبح ، فكل معصية يرتكبها الإنسان تنتهي بأثرها ، لكن الزنا يخلف آثاراً … فإمّا أن يوأد المولود ، وإما أن تجهض المرأة ، وإما أن تلد طفلها وتلقيه بعيداً ، ويعيش طريداً في المجتمع لا يجد مسئولاً عنه ، وهكذا تصبح المسألة ممتدة امتداداً أكثر من أي معصية أخرى . وتصنع هذه المعصية الشك في المجتمع . ولنا أن نتصور أن إنساناً يشك في أن من ينسبون إليه ويحملون اسمه ليسوا من صلبه ، وهذه بلوى كبيرة للغاية . والذين قالوا : إن الفاحشة المقصود بها الزنا نظروا إلى قول الله سبحانه : { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً } [ الإسراء : 32 ] . أو الفاحشة هي ما فيه حد ، أو الفاحشة هي الكبائر ، ونحن نأخذها على أنها التزيد في القبح على أي لون من الألوان . فما هي الفاحشة المقصودة هنا ؟ . إنها الفواحش التي تقدمت في قوله : { مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ … } [ المائدة : 103 ] . وكذلك ما جاء في قوله تعالى : { وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ … } [ الأنعام : 137 ] . وكذلك في قوله الحق سبحانه : { وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا … } [ الأنعام : 136 ] . أو أن المقصود أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة ، فيطوف الرجال نهاراً ، والنساء يطفن ليلاً ، لماذا ؟ . لأنهم ادَّعَوْا الورع . وقالوا : نريد أن نطوف إلى بيت ربنا كما ولدتنا أمهاتنا ، وأن نتجرد من متاع الدنيا ، ولا نطوف ببيت الله في ثياب عصينا الله فيها . وقولهم : { وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا } تقليد ، والتقليد لا يعطي حكماً تكليفياً ، وإن أعطى علماً تدريبياً ، بأن ندرب الأولاد على مطلوب الله من المكلف ليستطيعوا ويألفوا ما يكلفون به عندما يصلون إلى سن التكليف . ومما يدل على أن التقليد لا يعطي حقيقة ، أنك تجد المذهبين المتناقضين - الشيوعية والرأسمالية مثلاً - مقلدين لهذا المذهب مقلدون ، ولهذا المذهب مقلدون . فلو أن التقليد معترف به حقيقة لكان التقليدان المتضادان حقيقة ، والمتضادان لا يصبحان حقيقة لأنهم - كما يقولون - الضدان لا يجتمعان ، هذا هو الدليل العقلي في إبطال التقليد . ولذلك نلاحظ في أسلوب الأداء القرآني أنه أداء دقيق جداً فالذي يتكلم إله . { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } [ الأعراف : 28 ] . والرد من الله عليهم أنه سبحانه لم يأت في مسألة التقليد بردّ لأنه بداهة لا يؤدي إلى حقيقة ، بل قال : { قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 28 ] . وهذا رد على قولهم : والله أمرنا بها . وأين الرد على قولهم : { وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا } ؟ . نقول إنه أمر لا يحتاج إلى رد لأنه أمر يرفضه العقل الفطري ، ولذلك ترك الله الرد عليه لوضوح بطلانه عند العقل الفطري ، وجاء بالرد على ادعائهم أن الله يأمر بالفحشاء ، فالله لا يأمر بالفحشاء . ثم كيف كان أمر الله لكم ؟ . أهو أمر مباشر … بمعنى أنه قد أمر كل واحد منكم أن يرتكب فاحشة ؟ ألم تنتبهوا إلى قول الحق سبحانه : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً … } [ الشورى : 51 ] . أم بلغكم الأمر بالفاحشة عن طريق نبي فكيف ذلك وأنتم تكذبون مجيء الرسول ؟ . وهكذا يكون قولكم مردوداً من جهتين : الجهة الأولى : إنه لا طريق إلى معرفة أمر الله إلا بأن يخاطبكم مباشرة أو يخاطبكم بواسطة رسل لأنكم لستم أهلاً للخطاب المباشر ، والجهة الثانية : أنكم تنكرون مسألة الأنبياء والرسل . فأنتم لم يخاطبكم الله بالمباشرة أو بواسطة الرسل فلم يبق إلا أن يقال لكم : { أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 28 ] . ولا جواب على السؤال إلاّ بأمرين : إمّا أن يقولوا : " لا " فقد كذبوا أنفسهم ، وإمّا أن يقولوا : " نعم " فإذا قالوا : نعم نقول على الله ما لا نعلم فقد فضحوا أنفسهم وأقروا بأن الله لم يأمر بالفاحشة ، بل أمر الله بالقسط ، لذلك يقول سبحانه بعد ذلك : { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِٱلْقِسْطِ … } .