Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 35-35)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هنا ينادي الحق أبناء آدم ، بعد أن ذكرهم أنه أحل لهم الطيبات والزينة وحرم عليهم المسائل الخمسة من الفاحشة والمنكر والبغي والإِثم والشرك ، ووضع لهم نظاماً يضمن سلامة المجتمع ، وطمأنهم بأنه منتقم من أي أمة ظالمة بأن جعل للظلم نهاية وأجلاً . فعليكم يا بني آدم أن تأخذوا أمور حياتكم في إطار هذه المقدمات . { يَابَنِيۤ ءَادَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي … } [ الأعراف : 35 ] . عليكم أن تستقبلوا رسل الله استقبال الملهوف المستشرف المتطلع إلى ما يحميه وإلى ما ينفعه لأن الرسول هو من يعلن لكل واحد منكم ما أحله الله من طيبات الحياة وملاذها ، ويبين لكم ما حرم الله ليحيا المجتمع سليماً . كأن المظنون أن ساعة يأتي الرسول نجد المجتمع يحرص على ملازمته وعلى تلقي البلاغ منه ، لا أن يظل الرسول يدعو باللين بينما المجتمع يتأبّى عليه . لكن من رحمة الله أن يتأبّى المجتمع ويلح الرسول مبيناً آيات الله وبيناته كي يأخذ كل إنسان ما يساعده على أمر حياته ويهتدي إلى الصراط المستقيم ، وأنت إذا ما أصبت في عافيتك تلح على الطبيب وتبحث عنه ، فكان مقتضى العقل أنه إذا جاء رسول ليبلغنا منهج الله في إدارة حركة الحياة أن نتشوق إليه ونتطلع ، لا أن نعاديه ، وعادة ما يسعد بالرسول أهل الفطرة السليمة بمجرد أن يقول الرسول : أنه رسول ومعه آية صدقه . ويقيس أهل الفطرة السليمة قول الرسول بماضيه معهم ، فيعلمون أنه مخلص لم يرتكب الإثم . وهذه فائدة قوله الحق : { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [ التوبة : 128 ] . فلم يأت لكم إنسان لا تعرفونه بل لكم معه تاريخ واضح وجلي ، ولذلك نجد الذين آمنوا برسول الله أول الأمر لم ينتظروا إلى أن يتلو عليهم القرآن ، لكنهم آمنوا به بسوابق معرفتهم له لأنهم عايشوه ، وعرفوا كل تفاصيل أخلاقه . ومثال ذلك : عندما أخبر محمد صلى الله عليه وسلم سيدتنا خديجة - رضوان الله عليها - بنبأ رسالته وأسرّ لها بخوفه من أن يكون ما نزل إليه هو من أمور الجن أو مسها ، أسرعت إلى ورقة بن نوفل لأنه عنده علم بكتاب ، وقبل ذلك قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنك لتصل الرحم وتحمل الكَلَّ وتعين على نوائب الحق وتكسب المعدوم " . وكل هذه المقدمات تدل على أنك - يا رسول الله - في حفظ الله ورعايته لأنك كنت مستقيم السلوك قبل أن تُنَبَّأ ، وقبل أن توجد كرسول من الله . وهل معقول أن مَن يترك الكذب على الناس يكذب على الله ؟ ! وكذلك نجد سيدنا أبا بكر الصديق بمجرد ما أن قال رسول الله : أنا رسول ، قال له : صدقت . وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على صدق الفطرة ، وهذه هي فائدة { رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } [ التوبة : 128 ] أو من جنسكم البشري حتى نجد فيه الأسوة الحسنة . ولو جاء لنا رسول من الملائكة وقال لنا : هذا هو المنهج ولكم أسوة بي ، كنا سنرد عليه الرد المقنع السهل اليسير : وهل نقدر أن نفعل مثلك وأنت ملَكٌ مفطور على الخير ؟ . لكن حين يأتينا رسول من جنسنا البشري ، وهو صالح أن يصدر منه الخير ، وصالح أن يصدر منه الشر فهو الأسوة الموجودة ، ولذلك كان من غباء الكافرين أن قالوا ما جاء به القرآن على ألسنتهم : { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } [ الإسراء : 94 ] . إنه الغباء وقصر النظر والغضب لأن الله بعث محمداً وهو من البشر ، فهل كانوا يريدون مَلَكاً ؟ ولو كان ملكاً فكيف تكون به الأسوة وطبعه مختلف عن طبائع البشر ؟ . ولذلك يرد الحق الرد المنطقي : { قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً } [ الإسراء : 95 ] . وذلك حتى تتحقق لنا الأسوة فيه فسبحانه لم يقتحم وجودكم التكليفي ، ولم يُدخلكم في أمر يشتد ويشق عليكم لكنه جاء لكم بواحد منكم تعرفون تاريخه . ولم يأت به من جنس آخر . { يَابَنِيۤ ءَادَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي … } [ الأعراف : 35 ] . وانظر قوله : { يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي } ، لقد جاء بكلمة " يقصّون " لأن القصص مأخوذة من مادة " القاف " و " الصاد المضعَّفة " وهذا مأخوذ من " قصّ الأثر " ، وكان الرجل إذا ما سرقت جماله أو أغنامه يسير ليرى أثر الأقدام . إذن { يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي } أي أنهم ملتزمون بما جاء لهم ، لا ينحرفون عنه كما لا تنحرفون أنتم عن قص الأثر حين تريدون المؤثِّر في الأثر . { فَمَنِ ٱتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ الأعراف : 35 ] . و " التقوى " هو أن تجعل بينك وبين شيء يضرك وقاية . ولذلك يقول الحق : { ٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ } ، لنرد عن أنفسنا بالعمل الصالح لهيب النار . وإذا قيل : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي اتقوا متعلقات صفات الجبروت من الله لأنكم لن تستطيعوا تحمل جبروت ربنا ، وعليكم أن تلتزموا بفعل الأوامر وتلتزموا أيضاً بترك النواهي . والأمر بالتقوى هنا يعني ألا ننكر ونجحد رسالات الرسل لأنهم إنما جاءوا لإِنقاذ البشر ، فالمجتمع حين يمرض ، عليه أن يسرع ويبادر إلى الطبيب القادم بمنهج الله ليرعاه ، وهو الرسول لذلك لا يصح الجحود برسالة عليها دليل ومعجزة . { فَمَنِ ٱتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } . و " أصلح " تدل على أن هناك شيئاً غير صالح فجعله صالحاً ، أو حافظ على صلاح الصالح ورقَّى صلاحه إلى أعلى ، مثل وجود بئر نشرب منه ، فإن كانت البئر تؤدي مهمتها لا نردمها ، ولا نلقي فيها قاذورات ، وبذلك نبقي الصالح على صلاحه ، ويمكن أن نزيد من صلاح البئر بأن نبني حول فوهتها سوراً ، أو أن نقوم بتركيب مضخة تمتص الماء من البئر لضخه إلى البيوت . وبذلك نزيد الصالح صلاحاً ، والآفة في الدنيا هم الذين يدعون الإِصلاح بينما هم مفسدون ، يقول الله فيهم : { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } [ الكهف : 103 - 104 ] . إذن فحين تقدم على أي عمل لا بد أن تعرف مقدمات هذا العمل ، وماذا ستعطيه تلك المقدمات ، وماذا سوف تأخذ منه . وأبق الصالح في الكون على صلاحه أو زده إصلاحاً ، وهنا لا خوف عليك ولن تحزن على شيء فاتك ليتحقق قول الحق : { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ … } [ الحديد : 23 ] . وما المقابل لمن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون لأي هؤلاء الذين أصلحوا واتقوا ؟ المقابل هو ما يأتي في قوله الحق : { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا … } .