Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 37-37)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
و { فَمَنْ أَظْلَمُ } تأتي على صيغة السؤال الذي لن تكون إجابته إلا الإِقرار . ولا أحد أظلم ممن افترى على الله الكذب لأنه أولاً ظلم نفسه ، وظلم أمته ، وأول ظلم النفس أن يرتضي حياة زائلة وأن يترك حياة أبدية ، وأما ظلمه للناس فلأنه سيأخذ أوزار ما يفعلون لأنه قد افترى على الله كذباً . { أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ } . أي قوَّل الله ما لم يقله ، أو كذَّب ما قاله الله ، وكلا الأمرين مساوٍ للآخر . والآية - كما نعلم - هي الأمر العجيب ، والآيات أُطلقت في القرآن على معانٍ متعددة فالحق يقول : { كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ … } [ فصلت : 3 ] . وكذلك أطلقت على المعجزات التي يرسلها الله تأييداً لرسله . { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ … } [ الإسراء : 59 ] . فالآيات هنا هي المعجزات أي الأمور العجيبة . وحدثنا القرآن عن الآيات الكونية فقال سبحانه : { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيْلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ … } [ فصلت : 37 ] . فالآية إذن هي الشيء العجيب وهي تشمل آيات القرآن لأنك حين تنظر إلى نظم آيات القرآن ، وإلى استيعابها إلى حقائق الوجود وإلى استيفائها لقضايا الكون كله تقول لنفسك : هذا شيء عجيب لأن الذي جاءت على لسانه هذه الآيات نبي أمي ، ما عُرف عنه أنه زاول تعلماً ، وما جربوا عليه أنه قال شعراً ، أو نثراً أو له رياضة في كلام ، وبعد ذلك ما جرب حكم أمم ، وما درس تاريخ الأمم حتى يستنبط القوانين التي أعجزت الحضارات المعاصرة عن مجاراتها . إن الأمة البدوية حينما ذهب بمنهجها إلى الفرس ، وكانت الفرس لها حضارة الشرق كلها ، وعلى الرغم من ذلك أخذت الفرس قوانينها من هذه الأمة البدوية ، وكان كل نظام هذه الأمة المتبدية قبل مجيء الرسالة مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلخص في نظام القبيلة وكل قبيلة لها رئيس ، وبعد أن جاءت رسالته صلى الله عليه وسلم جاء بنظام يجمع أمم العالم كلها ، ثم ينجح في إدارة الدنيا كلها ، وهذه مسألة عجيبة ، وكل آية من هذه الآيات كانت معجزة وعجيبة . وكذلك الآيات الكونية التي نجدها تتميز بالدقة الهائلة فالشمس والقمر بحسبان ، وكل في فلك يسبحون ، إنه نظام عجيب . إذن فالعجائب في الآيات هي آيات القرآن ، والمعجزات والآيات الكونية . وكيف يكذبون إذن بالآيات ؟ . ألا ينظرون إلى الكون . وما فيه من دقة صنع وهندسة بناء تكويني لا تضارب فيه ؟ وهي آيات تنطق بدقة الخالق فهو العالم ، القادر ، الحكيم ، الحسيب . وكذلك كيف يكذبون الرسول القادم بالمعجزات ، ويقولون : إنه ساحر ، وحين تتلى عليهم آيات القرآن يكذبونها . إذن هم لم ينظروا في آيات الكون ليستنبطوا منها عظمة الصانع وحكمته ودقته ، ولم يلتفتوا إلى الإِيمان به قمة عقيدية ، وكذلك كذبوا بالآيات المعجزات التي جاء بها الرسل فلم يصدقوا الرسل وآخرها وقمتها آيات القرآن العظيم . وحينما عرض الحق سبحانه وتعالى هذه القضية ، تساءل : كيف تقولون . إنه سحر الناس فآمنوا به ، فلماذا لم يسحركم أنتم ؟ . وحينما قالوا : { إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ … } [ النحل : 103 ] . قال الحق : { لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } [ النحل : 103 ] . وقالوا : { وَقَالُوۤاْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } [ الفرقان : 5 ] . فيُعَلّم الحق رسوله أن يقول : { فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ يونس : 16 ] . وهنا يأمر الحق رسوله أن يذكرهم بأنه عاش بينهم أربعين عاماً فهل عُرِف عنه أنه يقول أو يتكلم بشيء من هذا ؟ فهل يترك الحق من كذبوا بالآيات ؟ أنهم خلق الله ، والله استدعاهم إلى الوجود ، لذلك يضمن لهم مقومات الحياة ، وأمر أسباب الكون أن تكون خدمة هؤلاء المكذبين الكافرين كما هي في خدمة الطائعين المؤمنين . ومن يُحسن منهم الأسباب يأخذ نتائجها ، وإن أهمل المؤمنون الأخذ بالأسباب فلن يأخذوا نتائجها ، وكل هذا لأنه عطاء ربوبية ولأنه خلق فلا بد أن يرزق ، والنواميس الكونية تخدم الطائع وتخدم العاصي لأن ذلك من سنة الله ولن يجد أحد لسنة الله تبديلا . إذن فكفرهم لن يمنع عنهم نصيبهم من الكتاب الذي قَدَّر لهم ، من الرزق والحياة ، ما هو مسطر في الكتاب الذي أنزل عليهم لذلك يقول الحق : { أُوْلَـٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ ٱلْكِتَابِ … } [ الأعراف : 37 ] . أو ينالهم ، أي يصيبهم عذاب مما هو مبين في الكتاب الذي أرسلناه ليوضح أن الطائع له الثواب ، والعاصي له العقاب ، فيقول الحق هنا : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوۤاْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ } [ الأعراف : 37 ] . وساعة تسمع { يَتَوَفَّوْنَهُمْ } تفهم أن الحياة تنتهي ، وتنفصل الروح عن الجسد فهذا هو " التوفي " ، فمرة ينسب إلى الحق الأعلى سبحانه وتعالى ، ومرة ينسب إلى المَلَك ، ومرة يراد منه أتباع المَلَك أي جنوده يقول - سبحانه - : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ } ، والأساليب الثلاثة ملتقية لأن ملك الموت لم يأت بالموت من عنده ، بل أخذ التلقي من الله ، فالأمر الأعلى من الله ، وأمر التوسط للملك ، وأمر التنفيذ للرسل . و " التوفي " على إطلاقه هو استيفاء الأجل ، فإن كان أجل الحياة فهو توفية بالموت ، وإن كان الأجل البرزخ وهو المدة التي بين القبر والحساب . إلى أن يجيء ميعاد دخولهم النار فهذا هو توفي أجلهم الثاني لأن كل إنسان له أجلان : أجل ينهي هذه الحياة ، والأجل الذي يأخذه في البرزخ إلى أن يجيء الحساب . وهذا لا يمنع أن يقال : إن قيامة كل إنسان تأتي بموته لأن للقيامة مراحل بدءاً من القبر ونهاية بالخلود في الجنة أو في النار . وحين تسألهم الملائكة : { أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ } [ الأعراف : 37 ] . هم إذن يعترفون أن من كانوا يدعونهم من دون الله قد غابوا واختفوا ولا يظهر لهم أثر . { وَقَالُوۤاْ أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ … } [ السجدة : 10 ] . وهم - إذن - يقرون غياب من كانوا يدعونهم من دون الله ، والمراد أنه لا وجود لهم ، وهم بذلك قد شهدوا على أنفسهم بكفرهم . ولكن هذه الشهادة لا تجدي لأن زمن التكليف قد انتهى ، وهم الآن في دار قهر لكل ما يريده الله ففي دار التكليف كان الإِنسان حرًّا أن يفعل أو ألاّ يفعل ، ولكن في الدار الآخرة لا تنفع هذه الشهادة . وذلك لتبين عدالة الجزاء الذي يصيبهم ، ولن يتأبوا على الجزاء لذلك يقول الحق : { قَالَ ٱدْخُلُواْ فِيۤ أُمَمٍ … } .