Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 3-3)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وما دام العباد سينقسمون أمام صاحب الرسالة والكتاب الذي جاء به إلى من يقبل الهداية ، ومن يحتاج إلى النذارة لذلك يقول لهم : { ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ … } [ الأعراف : 3 ] . وينهاهم عن الشرك وعدم الاستهداء أي طلب الهداية فيقول : { وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } [ الأعراف : 3 ] . وحينما يأتي الحق سبحانه في مثل هذه الآيات ويقول : " وذكرى " . أو " وذكِّر " إنما يلفتنا إلى أن الفطرة المطبوعة عليها الإِنسان مؤمنة ، والرسالات كلها لم تأت لتنشئ إيماناً جديداً ، وإنما جاءت لتذكر بالعهد الذي أخذ علينا أيام كنا في عالم الذر ، وقبل أن يكون لنا شهوة اختيار : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ … } [ الأعراف : 172 ] . هذا هو الإقرار في عالم الذر ، إذن فحين يقول الحق : { قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } فنحن نلتفت إلى ما نسي الآباء أن يبلغوه للأبناء فالآباء يعلمون الأبناء متطلبات حياتهم ، وكان من الواجب أن يعلموهم مع ذلك قيم هذه الحياة التي تلقوها لأن آدم وحواء أول ما نزلا إلى الأرض قال لهما الحق : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ … } [ طه : 123 ] . وهكذا نعلم أن هناك " هدى " قد نزل على آدم ، وكان من الواجب على آدم أن يعلمه للأبناء ، ويعلمه الأبناء للأحفاد ، وكان يجب أن يظل هذا " الهدى " منقولاً في سلسلة الحياة كما وصلت كل أقضية الحياة . ويأتي سبحانه لنا بحيثيات الاتباع . { ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ … } [ الأعراف : 3 ] . فالمنهج الذي يأتي من الرب الأعلى هو الذي يصلح الحياة ، ولا غضاضة على أحد منكم في أن يتبع ما أنزل إليه من الإله المربي القادر . الذي ربّى ، وخلق من عدم ، وأمد من عُدْم ، وهو المتولي للتربية ، ولا يمكن أن يربي أجسادنا بالطعام والشراب والهواء ولا يربي قيمنا بالأخلاق . { وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } . ومادام قد أوضح : اتبعوا ما أنزل إليكم من أعلى ، فلا يصح أن تأتي لمن دونه وتأخذ منه ، مثلما يفعل العالَم الآن حين يأخذ قوانينه من دون الله ومن هوى البشر . فهذا يحب الرأسمالية فيفرضها بالسيف ، وآخر يحب الاشتراكية فيفرضها بالسيف . وكل واحد يفرض بسيفه القوانين التي تلائمه . وكلها دون منهج الله لأنها أفكار بشر ، وتتصادم بأفكار بشر ، والأولى من هذا وذاك أن نأخذ مما لا نستنكف أن نكون عبيداً له . { وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } [ الأعراف : 3 ] . وتذكر أيها المؤمن أن عزتك في اتباع منهج الله تتجلّى في أنك لا تخضع لمساوٍ لك ، وهذه ميزة الدين الذي يجعل الإنسان يحيا في الكون وكرامته محفوظةً ، وإن جاءته مسألة فوق أسبابه يقابلها بالمتاح له من الأسباب مؤمناً بأن رب الأسباب سيقدم له العون ، ويقدم الحق له العون فعلاً فيسجد لله شاكراً ، أما الذي ليس له رب فساعة أن تأتي له مسألة فوق أسبابه تضيق حياته عليه وقد ينتحر . ثم بعد ذلك يبين الحق أن موكب الرسالات سائر من لدن آدم ، وكلما طرأت الغفلة على البشر أرسل الله رسولاً ينبههم . ويوقظ القيم والمناعة الدينية التي توجد في الذات ، بحيث إذا مالت الذات إلى شيء انحرافي تنبه الذات نفسها وتقول : لماذا فعلت هكذا ؟ . وهذه هي النفس اللوامة . فإذا ما سكتت النفس اللوامة واستمرأ الإنسان الخطأ ، وصارت نفسه أمارة بالسوء طوال الوقت فالمجتمع الذي حوله يعدله . وهذه فائدة التواصي بالحق والصبر ، فكل واحد يوصَّى في ظرف ، ويوصِّي في ظرف آخر فحين تضعف نفسه أمام شهوة يأتي شخص آخر لم يضعف في هذه الشهوة وينصح الإنسان ، ويتبادل الإنسان النصح مع غيره ، هذا هو معنى التواصي فالوصية لا تأتي من جماعة تحترف توصية الناس ، بل يكون كل إنسان موصِياً فيما هو فيه قوي ، ويوصَّى فيما هو فيه ضعيف ، فإذا فسد المجتمع ، تتدخل السماء برسول جديد ومعجزة جديدة ، ومنهج جديد ، لكن الله أمن أمة محمد على هذا الأمر فلم يجيء رسول بعده لأننا خير أمة أخرجت للناس . والخيرية تتجلى في أننا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ، فالتواصي باقٍ إلى أن تقوم الساعة . { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ … } [ آل عمران : 110 ] . وهذه خاصية لن تنتهي أبداً ، فإن رأيت منكراً فلابد من خلية خير تنكره وتقول : لا ، وإذا كان الحق قد جعل محمداً خاتم الرسل ، فذلك شهادة لأمته أنها أصبحت مأمونة ، وأن المناعة الذاتية فيها لا تمتنع ولا تنقطع ، وكذلك لا تمتنع منها أبداً المناعة الاجتماعية فلن يأتي رسول بعد سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . ويقول الحق بعد ذلك : { وَكَم مِّن قَرْيَةٍ … } .