Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 62-62)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والبلاغ هو إنهاء الأمر إلى صاحبه فيقال : بلغت المكان الفلاني … أي انتهيت إليه . و " البلاغة " هي النهاية في أداء العبارة الجميلة ، و " أبلغكم " أي أنهي إليكم ما حملنيه الحق من منهج هداية لحركة حياتكم . { أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي } . وكان يكفي أن يقول : " رسالة ربي " إلا أنّه قال : { رِسَالاَتِ رَبِّي } لأن أي رسول يأتي بالمنهج الثابت كما جاءت به الرسالات السابقة حتى لا يقول أحد : إنه جاء ليناقض ما جاء به الرسل السابقون ، فما قاله وجاء به أي رسول سابق يقوله ، ونعلم أنه كانت هناك صحف لشيت ولإِدريس . فقال : إنه يبلغ رسالته المتضمنة للرسالات السابقة سواء رسالة إدريس وهو اخنوخ ، وكذلك شيت وغيره من الرسل . أي أبلغكم كل ما جعله الله منهجاً لأهل الأرض من الأمور المستقيمة الثابتة ، مثلما قال سبحانه : { شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ … } [ الشورى : 13 ] . وهو الأمور المستقرة الثابتة العقدية ، والأحكام التي لا تتغير . أو { رِسَالاَتِ رَبِّي } ، لأنه كرسول يتلقى كل يوم قسطاً من الرسالة فاليوم جاءت له رسالة يبلغها ، وغداً تأتي له رسالة يبلغها ، ولو قال : " الرسالة " لكان عليه أن ينتظر حتى تكتمل البلاغات من الله له ثم يقولها ، ولكنْ نوح كان يبلغ كل رسالة تأتيه في وقت إبلاغه بها لذلك فهي " رسالات " . أو لأن موضوع الرسالات أمر متشعب تشعباً يماثل ما تحتاج إليه الحياة من مصالح فهناك رسالة للأوامر ، ورسالة للنواهي ، ورسالة للوعظ ، ورسالة للزجر ، ورسالة للتبشير ، ورسالة للإِنذار ، ورسالة للقصص ، وهكذا تكون رسالات . أو أن كل نجم - أي جزء من القرآن وقسط منه - يعتبر رسالة ، فما يرسله الله في يوم هو رسالة للنبي ، وغداً له رسالة أخرى وهكذا . وقوله : { وَأَنصَحُ لَكُمْ } لأن البلاغ يقتضي أن يقول لهم منهج الله ، ثم يدعو القوم لاتباع هذا المنهج بان يرقق قلوبهم ويخاطبهم بالأسلوب الهادئ وينصحهم ، والنصح أمر خارج عن بلاغ الرسالة . ولنلتفت إلى فهم العبارة القرآنية . { وَأَنصَحُ لَكُمْ } . والنصح أن توضح للإِنسان المصلحة في العمل ، وتجرد نيتك مما يشوهه . وهل أنت تنصح آخر بأن يعود نفعه عليك ؟ إنك إن فعلت ذلك تكون النصيحة متهمة ، وإن نصحته بأمر يعود عليه وعليك فهذه نصيحة لك وله ، ولكن حينما تقول : " نصحت لك " أي أن النصيحة ليس فيها مسألة خاصة بك ، بل كل ما فيها لصالح من تبلغه فقط ، وبذلك يتضح الفارق بين " نصحته " و " نصحت لك " . { وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 62 ] . وكأن سيدنا نوحاً يخاطب قومه : إياكم أن تظنوا أن ما أقوله لكم الآن هو كل العلم من الله ، ولا كل علم الله ، ولا كل ما علمني الله ، بل أنا عندي مسائل أخرى سوف أقولها لكم إن اتقيتم الله وامتلكتم الاستعداد الإِيماني ، وهنا سأعطيكم منها جرعات . أو قوله : { وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } يعني أنه سيحدث لكم أمر في الدنيا لم يحصل للأمم السابقة عليكم وهو أن من يُكذب الرسول يأخذه الله بذنبه . وتلك التجربة لم تحدث مع قوم شيت أو إِدريس . { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا … } [ العنكبوت : 40 ] . ولم يحدث مثل هذا العقاب من قبل نوح ، وقد بيَّن لهم نوح : أنا أعلم أن ربنا قد دبر لكم أن من يُكّذِّبَ سيأخذه أخذ عزيز مقتدر . أو { وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } ، أي أن الله أعلمني لا على قدر ما قلت لكم من الخير ، لكنه سبحانه قد علمني أن لكل إخبار بالخير ميلاداً وميعاداً . ويقول سبحانه بعد ذلك : { أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ … } .