Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 23-23)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فهو سبحانه وتعالى قد علم أنه ليس فيهم خير ، فلم يسمعهم سماع الاستجابة . والمولى سبحانه وتعالى منزه من أن يبتدئهم بعدم إسماعهم لأنهم لم يوجد فيهم خير ، والخير هنا مقصود به الإيمان الأول بالرسول ، وهم لم يؤمنوا . فلم يستمعوا لنداء الهداية منه صلى الله عليه وسلم كمبلغ عن الله تعالى . إذن فعدم وجود الخير بدأ من ناحيتهم ، وسبحانه وتعالى القائل : { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } [ البقرة : 264 ] . وهم - إذن - سبقوا بالكفر فلم يهدهم الله . { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [ البقرة : 258 ] . وهم سبقوا بالظلم فلم يهدهم الله . وسبحانه وتعالى القائل : { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } [ المائدة : 108 ] . وهم سبقوا بالفسق فلم يهدهم الله . والله منزه عن الافتئات على بعض عباده ، فلم يسمعهم سماع الاستجابة لنداء رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } . وعلم الله تعالى أزلي ، لكنه لا يحاكم عباده بما علم عنهم أزلاً . بل ينزل لهم حق الاختيار في التجربة الحياتية العملية . وأضرب هذا المثل - ولله المثل الأعلى - تجد أباً يعاني من مأساة فشل ابنه في الدراسة أو في الاعتماد على نفسه في الحياة ، ويحيا الولد لاهياً غير مقدر لتبعات الحياة ، فيقول أصدقاء الوالد له : لماذا لا تقيم لابنك مشروعاً يشغله بدلاً من اللهو ، فيرد الأب : إنني أعرف هذا الولد ، سيأخذ المشروع ليبيعه ويصرف ثمنه على اللهو . والأب يقول ذلك بتجربته مع الابن . لكنْ ألا يُحتمل أن يكون هذا الابن قد ملَّ الانحراف واللهو وأراد أن يتوب ، أو على الأقل ليثبت للناس أن رأى والده فيه غير صحيح ؟ لذلك نجد الأب يفتح لابنه مشروعاً ، لكن الولد يغلبه طبعه السيىء فيبيع المشروع ليصرف نقوده في الفساد . هل حدث ذلك من نقص في تجربة الوالد ؟ لا ، بل عرف الأب عدم الجد عن ابنه ، وسهولة انقياده لهواه . فما بالنا بالحق الأعلى العليم أزلاً بكل ما خفي وما ظهر من عباده ؟ . ولكنّه سبحانه وتعالى شاء ألا يحاسب عباده بما علمه أزلاً ، بل يحاسبهم سبحانه وتعالى بما يحدث منهم واقعاً ، فهو القائل : { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ } [ العنكبوت : 11 ] . فسبحانه وتعالى العالم أزلاً ، لكنه شاء أن يعلم أيضاً علم الإقرار من العبد نفسه لأن الله لو حكم على العباد بما علم أزلاً ، لقال العبد : كنت سأفعل ما يطلبه المنهج يا رب . لذلك يترك الحق الاختيار للبشر ليعملوا على ضوء اختياراتهم ويكون العمل إقراراً بما حدث منهم . { وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } [ الأنفال : 23 ] . وحتى لو أسمعهم الله عز وجل لتولوا هم عن السماع وأعرضوا عنه لأنه سبحانه وتعالى يعلم أنهم اختاروا أن يكونوا شرّاً من الدواب عنده ، وهم الصم الذين لا يسمعون دعوة هداية ، وبُكْم لا ينطقون كلمة توحيد ، ولا يعقلون فائدة المنهج الذي وضعه الله تعالى لصلاح دنياهم وأخراهم . ويقول الحق تبارك وتعالى بعد ذلك : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ … } .