Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 53-53)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

و " ذلك " إشارة إلى ما تقدم ، وأنت إن نظرت إلى بداية البشرية تجد أن الله تعالى خلق آدم ليجعله خليفة في الأرض ، وخلق حواء لإبقاء النوع الإنساني . وقبل أن ينزل آدم على الأرض أعطاه الله سبحانه وتعالى المنهج ، ومن آدم وحواء بدأت ذريتهما ، ولو ساروا على المنهج الذي علمه آدم لهذه الذرية ، لصارت البشرية إلى سعادة . ولكن الذرية تغيرت ، وجحدوا النعمة وأنكروا أنَّ للنعمة خالقاً ، فهل يبقي الله عليهم الأمن والسلامة والنعم ما داموا قد تغيروا لا . بل لا بد - إذن - أن يغير الله نعمه عليهم ، وإلا لما أصبح هناك أي منطق للدين لأن الإنسان قد طرأ على النعم ، بمعنى أن الله لم يخلق الإنسان ثم خلق له النعم . بل خلق النعم أولاً ثم جاء الإنسان إلى كون أعد له إعداداً كاملاً وفيه كل مقومات الحياة واستمرار الحياة . وظل الإنسان فترة طويلة في طفولة الحياة يرتع في نعم الله ، فقبل أن يعرف الزراعة وجد الثمار التي يأكلها . وقبل أن يعرف كيف يبحث عن الماء وجد الماء الذي يشربه ، وعلمه الله كيف يعيش . وذلل له من الحيوان ما يعطيه اللبن واللحم ، وكل هذه النعم وغيرها كان لا بد أن يأخذها الإنسان بالشكر واستمرار الولاء لله الخالق المنعم . ولكن الإنسان جحد نعمة الله تعالى وجحد المنعم ، أتبقى له سعادة وحياة مطمئنة في الأرض ؟ طبعاً لا ، وما دام الإنسان قد غيَّر ، لا بد أن يغير الحق النعمة إلى نقمة ، ومن رحمته سبحانه أنه شاء أن يكون الإنسان هو البادىء ، فالحق سبحانه منزّه أن يكون البادىء بالظلم ، بل بدأ الإنسان يظلم نفسه . ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى : { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [ الأنفال : 53 ] . إذن فذرية آدم بدأت أولاً بتغيير نعمة الإيمان إلى الكفر ، ومن شكر النعمة إلى جحودها ، فجزاهم الله تعالى بالطوفان وبالصواعق وبالهلاك لأنهم غيروا ما بأنفسهم ، ولو أنهم عادوا إلى شكر الله وعبادته لأعاد لهم الله نعَم الأمن والاستقرار والحياة الطيبة . ويلفتنا المولى سبحانه وتعالى إلى أن اتباع المنهج يزيد النعم ولا ينقصها ، فيقول : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ آمَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [ الأعراف : 96 ] . وطبقاً لهذا القانون الإلهي نجد أن تغير الناس من الإيمان إلى الكفر لا بد أن يقابله تغيير من نعمة الله عليهم وإلا لأصبح منهج الله بلا قيمة ، والمثال أن كل طالب يدخل امتحاناً ، ولكن لا ينجح إلا من ذاكر فقط ، وأما من لم يستذكر فإنه يرسب حتى لا تكون الدنيا فوضى . ولو أن الله سبحانه وتعالَى أعطى لمن اتبعوا المنهج نفس العطاء الذي يعطيه لمن لا يتبعون المنهج فما هي قيمة المنهج ؟ . إذن لا بد أن يدخل الإنسان إلى الإيمان ، وأن يكون هذا الإيمان متغلغلاً في أعماقك وليس أمراً ظاهرياً فقط ، فلا تدَّع الإصلاح وأنت تفسد ، ولا تدع الشرف والأمانة وأنت تسرق ، ولا تدع العدل وأنت تظلم الفقير وتحابي الغني لأن الحق سبحانه وتعالى لا يعطي نعمه الظاهرة والباطنة إلا لمن يتبعون منهجه . وإذا رأيت قوماً عمّ فيهم الفساد فاعلم أن نفوسهم لم تتغير رغم أنهم يتظاهرون باتباع المنهج الإلهي . وإن شكونا من سوء حالنا فلنعرف أولاً ماذا فعلنا ثم نغيره إلى ما يرضي الله عز وجل فيغير الله حالنا . ولذلك إذا وجدت كل الناس يشكون فاعلم أن هذا قد حدث بسبب أن الله غير نعمه عليهم لأنهم غيروا ما بأنفسهم . أي أن حالتهم الأولى أنهم كانوا في نعمة ومنسجمين مع منهج الله ، فغيروا انسجامهم وطاعتهم فتغيرت النعمة ، أي أن هناك تغييرين أساسيين ، أن يغير الله نعمة أنعمها على قوم ، وهذا لا يحدث حتى يغيروا ما بأنفسهم . وقوله تعالى : { وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [ الأنفال : 53 ] . أي أن الله تعالى يعلم حقيقة ما يفعلون ويسمع سرّهم وجهرهم ، ولذلك إذا غيروا ، سمع الله سبحانه وعلم لأن التغيير إمَّا أن يكون بالقول وإمَّا أن يكون بالفعل ، فإن كان التغيير بالقول فالحق سبحانه يسمعه ولو كان مجرد خواطر في النفوس ، وإن كان التغيير بالعمل فالحق يراه ويعلمه ولو كان في أقصى الأرض . يعود الحق سبحانه وتعالى إلى آل فرعون فيقول : { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ … } .