Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 54-54)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يتساءل البعض : لماذا عاد الحق سبحانه وتعالى إلى آل فرعون ولم يأت بها مع الآية الأولى ؟ . نقول : لأن هناك فرقاً دقيقاً بين كل منهما . فالآية الأولى يقول فيها الحق تبارك وتعالى : { كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } [ الآنفال : 52 ] . وفي الآية الثانية يقول فيها : { كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ } [ الأنفال : 54 ] . والآية الأولى تدل على أنهم كفروا بالآيات الكونية المثبتة لوجود الله تعالى وآيات الرسل وآيات الكتب التي أنزلت إليهم ، وفي هذه الآية كذبوا بآيات ربهم أي لم يصونوا النعم التي أعطاها الله لهم ، فنعم الله عطاء ربوبية ، وتكاليفه ومنهجه عطاء ألوهية ، وهم في الآية الأولى كذبوا بعطاء الألوهية ، أي كفروا بالله . وفي الآية الثانية كذبوا بعطاء الربوبية أي بنعم الله ، فعطاء الربوبية هو عطاء رب خلق من عَدم وأمَدَّ من عُدم لتكتمل للإنسان مقومات حياته . والله يساوي في عطاء الربوبية بين المؤمن والكافر وبين العاصي والطائع ، ولا يفرّق بينهم بسبب الإيمان أو الكفر . وهنا يقول المولى سبحانه وتعالى : { وَأَغْرَقْنَآ آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ } [ الأنفال : 54 ] . أي لم يكن بينهم مؤمن وكافر بحيث يكون هنا تفرقة بأن ينجي المؤمنين ويغرق الكافرين ، بل كلهم ظلموا أنفسهم بالكفر لذلك قال الحق سبحانه وتعالى : { وَأَغْرَقْنَآ آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ } [ الأنفال : 54 ] ، وذكر سبحانه آل فرعون بالتخصيص لأنهم الأمة الوحيدة التي بقيت حضارتها تدل على مدى تقدمها ، هذا التقدم الذي لم نصل إلى كل أسراره حتى الآن . ولا يمكن أن تنتهي مثل هذه الحضارة إلا بقوة أعلى من قوتها . فكأن الحق قد أراد أن يلفتنا إلى آل فرعون بالذات لأنه قدر للبشرية أن تكتشف آثار آل فرعون ، وآثارهم لافتة للعالم أجمع ، ووضع في قلوب البشر حب أن يأتوا ليروا حضارة آل فرعون ، ويتعجبوا كيف وصلوا إلى هذه المنزلة العالية من الحضارة ، ثم انهارت هذه الحضارة كدليل على وجود قوة أعلى وهي الله سبحانه وتعالى ، وقد أهلكهم الحق لأنهم كفروا بالألوهية واتخذوا فرعون إلهاً ورباً من دون الله ، وكفروا بنعمة الربوبية التي أعطاها الله لهم ، والتي يذكر الله جزءا منها في قوله الكريم : { كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ } [ الدخان : 25 - 27 ] . إذن فالله تعالى قد أعطاهم الزرع والماء ولم يعطهم بتقتير ، بل أعطاهم بوفرة وسعة لذلك قال تعالى : { جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } [ الدخان : 25 ] . وأعطاهم الثروة والقوة التي تحفظ لهم كرامتهم وتجعلهم أسياد الأرض في عصرهم ، وحققت لهم مقاماً كريماً ولم يجرؤ أحد على أن يهينهم ، ولا أن يعتدي عليهم ، فقد كان عندهم كنوز الأرض وعندهم القوة التي تحفظ لهم الكرامة في قوله تعالى : { وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ } [ الدخان : 26 - 27 ] . وأعطاهم من العلم ما يوفر لهم الترف والحياة الطيبة الرغدة المريحة في كل شيء ، ولكنهم كفروا بنعم الربوبية هذه ، كما كفروا بنعمة الألوهية فاستحقوا العقاب ، وبقيت آثارهم تدل عليهم نجد فيها الذهب والكنوز ، وقد دفنت مع موتاهم ، ونجد فيها الحضارة والقوة في المعارك التي صوروها على معابدهم بتوضيح وإتقان . ونرى فيها النعمة الهائلة التي كان يعيش فيها فرعون وقومه ، ولكنهم لم يؤدوا حقها وكفروا بالخالق واهب النعم . ويقول الحق تبارك وتعالى بعد ذلك : { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ … } .