Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 55-55)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ٱلدَّوَآبِّ } [ الأنفال : 55 ] جمع دابة ، والدابة هي كل ما يدب على وجه الأرض ، فإذا كان هذا هو المعنى يكون الإنسان داخلاً في هذا التعريف ، ولكن العرف اللغوي حدد الدابة بذوات الأربع ، أي الحيوانات . وشرف الخالق سبحانه وتعالى الإنسان بأن جعله لا يمشي على أربع ، فلا يدخل في هذا التعريف . وقول الحق سبحانه وتعالى : { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ الأنفال : 55 ] . يبين لنا أن الله سبحانه وتعالى قد ألحق الكفار بالدواب واستثنى المؤمنين فقط ، فسبحانه خلق الدواب وباقي أجناس الكون مقهورة تؤدي مهمتها في الحياة بالغريزة وبدون اختيار والشيء الذي يحدث بالغرائز لا تختلف فيه العقول ، ولذلك نجد كثيراً من الأشياء نتعلمها نحن أصحاب العقول من الحيوانات والحشرات التي لا عقول لها لأن الحيوانات تتصرف بالغريزة ، والغريزة لا تخطىء أبداً ، فإذا قرأنا قول الحق سبحانه وتعالى : { فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ } [ المائدة : 31 ] . نجد أن الغراب الذي لا اختيار له ، ولا عقل علم الإنسان الذي له عقل واختيار . وقد حدث ذلك لأن الغراب محكوم بالغريزة . إذن فكل ما يقوم به الحيوان من سلوك هو باختيار الله سبحانه وتعالى لأن الحيوان مقهور على التكاليف . ومن رحمة الله تعالى أن المخلوقات باستثناء الإنسان خلقت مقهورة تفعل كل شيء بالغريزة وليس بالعقل ، ولكن الإنسان الذي كرمه الله بالعقل يكفر ويعصي . رغم أن الحق أنعم على الإنسان بنعمة الاختيار . ومن العجيب أننا نجد الحيوان المحكوم بالغريزة لا يخرج سلوكه عن النظام المجبول عليه ويؤدي مهمته كما رسمت له تماماً ، فالدابة مثلاً تلد ويأخذون وليدها ليذبحوه فلا تنفعل لأن هذه مهمتها في الحياة أن تعطي للإنسان اللحم . والحمامة ترقد على بيضها وعندما يخرج الفرخ الصغير تتولاه لفترة بسيطة جداً حتى يعرف كيف يطير وكيف يأكل ثم بعد ذلك تتركه ليؤدي مهمته لأنه محكوم بالغريزة . والغرائز لا تخطىء . ويتصرف بها الحيوان بدون تعليم له . فإذا جئنا للإنسان نجد أن ألوان السلوك المحكومة بالغريزة فيه لا يتعلمها إذا جاع طلب الطعام دون أن يعلمه أحد كيف يشعر بالجوع ، فهذه غريزة . وإذا عطش طلب الماء دون أن يعلمه أحد معنى العطش ولا كيف يشرب . وكل واحد منا في الغرائز متساو مع الآخر . ونجد الغني والفقير والحاكم والغفير إذا شعروا بالجوع طلبوا الطعام ، وإذا شعروا بالعطش طلبوا الماء . فكل شيء محكوم بالغرائز لا يوجد فيه تغيير . ومن العجيب - مثلاً - أن الحمار حين يريد أن يعبر مجرى مائياً ينظر إليه ، وبمجرد النظرة يستطيع أن يعرف هل سيعبره أَمْ لا ، فإن كان قادراً قفز قفزة واحدة ليعبر ، وإن لم يقدر بحث عن طريق آخر . ولا تستطيع أن تجبر حماراً على أن يعبر مجرى مائيا لا يقدر على عبوره ، ومهما ضربته فلن يستجيب لك ولن يعبر . أمَّا الإنسان إن طلبت منه أن يعبر قناة مائية فقد يقول لنفسه : سأجمع كل قوتي وأقفز قفزة هائلة ، وإن لم يكن قياسه صحيحاً ، يسقط في الماء ، ذلك لأنه أخطأ وصورت له أداة الاختيار أنه يستطيع أن يفعل ما لا يقدر عليه . إذن فالمحكوم بالغريزة هو الأوعى . وعندما نأتي إلى الأكل ، نجد الحيوان المحكوم بالغريزة أكثر وعياً لأنه يأكل فإذا شبع لا يذوق شيئاً . ولو جئت له بأشهى الأطعمة . فأنت لا تستطيع أن تجعل الحيوان يأكل عود برسيم واحداً ، أو حفنة تبن ، أو حبة فول بعد أن يشبع ، وتجده يدوس على ما زاد عن حاجته بقدميه . وتعال إلى إنسان ملأ بطنه وشبع وغسل يديه ، ثم قالوا له مثلاً : أنت نسيت الفاكهة ، أو نسيت الحلوى ، تجده يعود مرة أخرى ليأكل وهو شبعان فيتلف معدته ويتلف جسده . ولذلك تجد الإنسان مصاباً بأمراض كثيرة لا تصيب الحيوان لأنه يسرف في أشياء كثيرة ، بل تجد أن الأمراض التي تصيب الحيوان معظمها من تلوث بيئة الحيوان مما يفعله الإنسان . والحق سبحانه وتعالى يريد أن يخبرنا أن الدابة المحكومة بالغريزة خير من الكافر لأن الدابة تؤدي مهمتها في الحياة تماماً . بينما لا يؤدي الكافر مهمته في الأرض ، بل يفسد فيها ويسفك الدماء ، وبذلك يكون شراً من الدابة . ولقد قلنا : إن الدّابة تحملك من مكان إلى مكان ولا تشكو ، وتَحمل أثقالك ولا تتبرم . وتظل سائرة فترة طويلة وأنت جالس فوقها فلا تضيق بك وتلقيك على الأرض ، لقد خُلِقت لهذه المهمة وهي تؤديها كما خلقت لها دون شكوى أو ضجر لأنها محكومة بنظام دقيق تتبعه وتنفذه . ولكن الإنسان اخترع السيارة وطور فيها ، وقد يجلس أمام مقعد القيادة ويصيبه التعب فينعس ويقع في حادثة فيصاب فيها ويصيب غيره أيضاً . وكان من المفروض أن يتبع الإنسان في حياته منهج ربه الذي أنزله إليه ، لكن من البشر من كفر وأخذ يعربد في الكون ، وبذلك يكون شراً من الدابة لأن الكافر لا يستخدم عقله في أولويات الوجود ، وهو لو استخدم عقله لعرف أنه أقبل على كون قد أعد إعداداً دقيقاً شمس تضيء نصف الكون لتعطيه النهار ، وتغرب ليطل قمر يضيء بالليل يؤنسه في الظلام ونجوم تهديه الطريق في البر والبحر ، ومطر ينزل لينبت الزرع . وحيوان مسخر له يعطيه اللبن واللحم ويحمل أثقاله . كان لا بد - إذن - للإنسان صاحب العقل أن يفكر : من الذي خلق له كل هذه النعم ؟ لأن هذه هي من أولى مهمات العقل الذي يفكر ، ويدلنا على الخالق . وكان لا بد في هذه الحالة أن يعرف الإنسان بعقله أن الذي صنع له كل هذه النعم وسخرها له لا بد أنه يريد به خيراً . ولذلك إذا جاءه المنهج من السماء عليه أن يتبعه لأنه يعلم أن هذا المنهج خير ما يصلح له لأنه جاء من خالقه . وفي هذه الحالة كان لا بد لأمور الكون أن تستقيم . ولكن بعضاً من بني الإنسان ستروا وجود الله وكفروا به ولذلك يوضح لنا الحق تبارك وتعالى أنهم شرّ من الدواب ، لأنهم لا يؤمنون . ثم يقول الحق تبارك وتعالى بعد ذلك : { ٱلَّذِينَ عَاهَدْتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ … } .