Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 73-73)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فالكفار - كما نعلم - وكما تحدثنا الآية الكريمة بعضهم أولياء بعض . فإن لم يتجمع المؤمنون ليترابطوا ويكونوا على قلب رجل واحد ، فالكفار يتجمعون بطبيعة كفرهم ومعاداتهم للإسلام . وإن لم يتجمع المسلمون بالترابط نجد قول الحق تحذيراً لهم من هذا : { إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي ٱلأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } [ الأنفال : 73 ] . فسبحانه يريد لنا أن نعلم أننا إن لم نعش كمسلمين متحدين ننحاز لبعضنا البعض في جماعة متضامنة ، وتآلف وإيمان ، إن لم نفعل ذلك فسوف تكون هناك فتنة شديدة وفساد كبير . لماذا ؟ . لأن المؤمنين إن لم يتجمعوا ذابوا مع الكافرين ، وستوجد ذبذبة واختلال في التوازن الإيماني جيلاً بعد جيل . ولو حدث مثل هذا الذوبان ، سيتربى الأولاد والأطفال في مجتمع يختلط فيه الكفر بالإيمان ، فيأخذوا من هذا ، ويأخذوا من ذاك ، فلا يتعرفون على قيم دينهم الأصيلة ، وقد يضعف المسلمون أمام إغراء الدنيا فيتبعون الكافرين . ولكن إن عاش المسلمون متضامنين متعاونين تكون هناك وقاية من أمراض الكفر ، وكذلك لا يجترىء عليهم خصومهم . أما إذا لم يتجمعوا ولم يتحدوا فقد يتجرأ عليهم الخصوم ويصبحون قلة هنا ، وقلة هناك وتضيع هيبتهم ، ولكن إذا اتحدوا كانوا أقوياء ، ليس فقط بإيمانهم ، ولكن بقدرتهم الإيمانية التي تجذب غير المسلمين لهذا الدين . وينشأ الفساد الكبير حين لا يتضامن المسلمون مع بعضهم البعض فيجترىء عليهم غير المسلمين ويصبحون أذلةً وهم أغلبيةٌ ، ولا يهابهم أحد مع كثرة عددهم ، ولا يكونون أسوة سلوكية . بل يكونون أسوة سيئة للإسلام . ويقول الحق سبحانه وتعالى : { وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } [ الأنفال : 73 ] . فهل هذا توجيه من الله جل جلاله لهم ، أو إخبار بواقع حالهم ؟ لقد طلب الحق سبحانه وتعالى من المؤمنين أن يكونوا أولياء بعض ، ولكن هل قوله تعالى : { وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } هو طلب للكافرين ، كما هو طلب من الله للمؤمنين ؟ نقول : لا ، لأن الذين كفروا لا يقرأون كلام الله عز وجل ، وإذا قرأوه لا يعملون به . إذن فهذا إخبار بواقع كوني للكافرين . فعندما يطلب الله سبحانه وتعالى من المؤمنين أن يكونوا أولياء بعض ، فهذا تشريع يطلب الله لأن يحرص عليه المؤمنون ، أما إذا قال إن الكفار بعضهم أولياء بعض . فهذا إخبار بواقع كوني لهم . إن الإسلام جاء على أهل أصنام من قريش ، ويهود في المدينة هم أهل كتاب ، وكذلك كان الأوس والخزرج كفاراً مثل قريش ولكن الإسلام جمعهم وجعل بعضهم أولياء بعض ، وكان بين الأوس والخزرج وبين اليهود قبل الإسلام عداء ، وإن لم يصل إلى الحرب لأنهم كانوا يحتاجون لمال اليهود وعلمهم وأشياء أخرى ، وكان اليهود يستفتحون على الأوس والخزرج بمجيء النبي محمد المذكور عندهم في التوراة ويقولون لهم : أطل زمان نبي سنتبعه ونقتلكم قتل عاد وإرم . إذن كان اليهود يتوعدون الكفار ، لما بينهم من عداء عقدي وديني ، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر اليهود برسالته والتحموا مع كفار قريش وقالوا : { هَٰؤُلاءِ أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً } [ النساء : 51 ] . أي أن كفار قريش أهدى من الذين آمنوا بمحمد ، فالولاء بين الكافرين واليهود جاء لهم بعد أن كانوا أعداء ، لكنهم اتحدوا بعد ذلك ضد المؤمنين ، فإذا كان هذا قد حدث بين الكفار واليهود فيجب على المؤمنين أن يكون بعضهم أولياء بعض لأنهم اجتمعوا على شيء يعاديه الجميع . وهذا ينفي مسألة الإرث التي قال بها بعض العلماء من أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض أي يرث بعضهم بعضا لأنه لو كان هذا صحيحاً فكأن الله يشرع للكافرين - أيضاً - أن يرث بعضهم بعضاً لأنه استخدم كلمة أولياء بالنسبة لهم أيضاً . والحق سبحانه وتعالى لم يشرع للكافرين . وبعد أن بينا أقسام المؤمنين الذين عاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفنا أنهم أربعة ، ذكرنا ثلاثة منهم هم المهاجرون والأنصار والذين آمنوا ولم يهاجروا ، وبقي من هذه الأقسام الذين آمنوا وهاجروا بعد ذلك ، ويقول الحق تبارك وتعالى : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ … } .