Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 103-103)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه هي الصدقة غير الواجبة لأنها لو كانت الصدقة الواجبة لما احتاجت إلى أمر جديد ، بل هي صدقة الكفارة . وقوله الحق : { مِنْ أَمْوَالِهِمْ } يعني أموال من اعترفوا بذنوبهم ، وقد نسب الأموال وملكيتها لهم ، رغم أن المال كله لله ، مصداقاً لقوله : { وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ … } [ النور : 33 ] . ولكن الحق ينقله إلى خلقه تفضلاً منه ، وأوضح سبحانه إذا قلت لكم : أخرجوا شيئاً من المال الذي وهبتكم إياه فلن أرجع فيما وهبته لكم ، ولذلك إذا احتاج مؤمن شيئاً من مؤمن مثله ، فالحق سبحانه وتعالى يقول : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ … } [ البقرة : 245 ] . وسبحانه واهب المال وهو يحترم هبته لصاحب المال . وقوله : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } لاحظ فيه العلماء أن المال حين يضاف إلى صاحبه فهو تطمين له ، حتى يتحرك في الحياة حركة فوق ما يحتاج ، ويبقى له شيء يتموَّله ، وبذلك يحرص الإنسان على الحركة التي ينتفع بها الغير ، وإن لم يقصد . فيوضح له الحق : اطمئن إلى أن كل شيء سيزيد عن حاجتك يصبح ملكاً لك ، ولا يخرج المال عن ملكية صاحبه إلا إذا كان صاحبه غير أهل للتصرّف ، مصداقاً لقوله الحق : { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ … } [ النساء : 5 ] . لأن السفيه لا يصح أن يتملك لأنه بالحمق قد يضيع كل شيء ، فينزل الحق الحكم : إن مال السفيه الذي يملكه ليس ماله إنما هو مالكم . ولكن إلى متى ؟ فيأتي القول الحق : { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ … } [ النساء : 6 ] . أي : ردوا إليهم أموالهم متى عادوا إلى الرشد وصاروا أهلاً للملكية . والحق في هذه الآية يقول : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } والله سبحانه وتعالى هو صاحب المال ، وهو يأتي بالمال ، بالأسباب التي جعلها للبشر في حركة الحياة ، وأمَّنهم على عرقهم ، وأمَّنهم على ما يملكون حتى لا يزهد أحد في الحركة فلو أخذ كل واحد من حركته على قدر نفسه ، ولم يتملك المال لضنّ الناس بالحركة . وإذا ضن الناس بالحركة فلن يستفيد غير القادرين على الحركة ، فأراد الله سبحانه وتعالى أن يجعل ما يزيد على حاجات الناس ملْكاً لهم لأن النفس تحب أن تتملك ، والتملك أمر غريزي في النفس بدليل أن الله سبحانه وتعالى هو الذي طلب أن يؤخذ من الأموال ، وأوضح أنه يضاعفها له ، ومعنى أنه يضاعفها عنده أنه يُنمي فيه غريزة التملك . وقوله الحق : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } نلحظ فيه أن الأموال أضيفت لأصحابها ، ما لم يكن فيهم سفه في التصرف أو عدم رشد بأن يكون وارث المال قاصراً لا يقدر على التصرف فيه ، فأوضح لنا سبحانه : لا تعتبروا مال السفيه ولا مال القاصر ماله ، ولكن ليرعى الوصيّ المال باعتبار أنه ماله هو ، وحذَّر سبحانه الوصيَّ : إياك أن تتعدى في ملكية هذا المال لأن الذي جعله مالك ، إنما جعل الملكية من أجل القيامة على المال ، ولأجل هو أن يبلغ القاصر رشده ، أو يرجع السفيه إلى عقله . { وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً … } [ النساء : 5 ] . فإياك أيها الوصي ، أن تظن أن الله قد أعطى لك هذا المال ، بل جعل لك حق القيام عليه فقط ، ثم يقول سبحانه : { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } ولم يقل : " فادفعوا إليهم أموالكم " وإلا كان الأمر صعباً على الناس . وهنا ملحظية لحظها العلماء رضي الله عنهم ، وهو أن المال إذا كان فيه حق معلوم للسائل والمحروم ، فلا يصح أن ينسب الإنسان المال كله لنفسه لأن له شركاء فيه هما السائل والمحروم ، فالمال - إذن - ملكية صاحبه باستثناء حق السائل والمحروم . وفي آية أخرى قال الحق : { وَٱلَّذِينَ فِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } [ المعارج : 24 - 25 ] . و " الحق المعلوم " هو الزكاة المفترضة من نصاب معلوم بقدر معلوم ، وأما الأمر الثاني فهو حق أيضاً ، ولكن الذي يوجبه ويحدده هو صاحب المال على نفسه ، وهو التطوع ، ولذلك لم يقل : حق معلوم كما في سورة الذاريات : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } [ الذاريات : 15 - 19 ] . لقد ذكر سبحانه هنا الحق ولم يقل إنه معلوم لأن صاحب المال داخل في مقام الإحسان ، وهو المقام الذي يلزم الإنسان فيه نفسه بشيء فوق ما فرض الله من جنس ما فرض الله . والله سبحانه لم يفرض على الإنسان أن يقوم الليل كله ، أو يظل الليل يستغفر ، بل إن المسلم له أن يصلي العشاء وينام ، ثم يقوم لصلاة الفجر . لكن إن وجد في نفسه نشاطاً ، فهو يقوم الليل لأنه يريد أن يدخل في مرتبة الإحسان . وكذلك يؤدي المسلم الزكاة وهذا حق معلوم ، أما إن رغب المسلم في أن يدخل في مقام الإحسان فهو يزيد على الزكاة ، وقد جعل الله هذا حقّاً لكنه غير معلوم ليفسح لأريحيات الكرام أن يتجاوزوا الحق المعلوم ، فبدلاً من اثنين ونصف بالمائة ، قد يجعلها الداخل إلى مقام الإحسان ضعف ذلك أو أكثر . ووقف العلماء رضي الله عنهم هنا قالوا : إن قوله الحق : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } لا يعني اعتبار الجزء المأخوذ من المال للفقير هو حق الفقير ، بل هو مال المؤدي ، ولو بيّن الله حق الفقير وعزله عن مال صاحبه ، فهذا يعني أن المال إن هلك فليس للفقير شيء ، ولكن لأن المال مال الغني فحق الفقير محفوظ في ذمة صاحب المال ، وهذا أفضل للفقير ، فإن الغني لو لم يؤد الزكاة في ساعتها ، وبعد ذلك حدث أن هلك المال ، فالغني ضامن لحق الفقير . { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ } والصدقة تطهرهم لأن الذنب الذي فعلوه واعترفوا به تسبّب في تقذير أنفسهم بالمعصية ، وما داموا قد قذروا أنفسهم بالمعصية ، فهم في حاجة أن يُطهَّرُوا بالمال الذي كان سبباً في عدم ذهابهم إلى الغزوة . وانظر هنا إلى ملحظ " الأداء البياني " في القرآن ، فالحق سبحانه يقول : { خُذْ } وهو أمر للنبي صلى الله عليه وسلم ، ويقول : { مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } من أموال الأغنياء ، هذه الصدقة ستذهب للمحتاج ، إذن هنا أربعة عناصر : آخذٌ هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومأخوذ منه هو صاحب المال ، ومأخوذ هو المال ، ومأخوذ له هو الفقير المحتاج . وما دام الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهذا الأمر ينسحب بالتالي على كل من وَلِيَ أمراً من أمور المسلمين . ولقائل أن يقول : ولكنها صدقة وليست زكاة . ونقول : ما دام الله هو الذي أمر بها تطهيراً فقد صارت واجباً ، والآية صريحة ، وتقتضي أنه ما دامت هناك ولاية شرعية ، فولي الأمر هو الذي يأخذ من الناس ويؤدي للفقراء ، أو لأوجه الصرف التي شرعها الله لأن الله لا يريد أن يعذب الفقير بأن يمد يده آخذاً من مُسَاو له ، أما إن أخذ من الوالي وهو المسئول عن الفقراء ، فلن يكون عيباً ، كما أن الحق سبحانه يريد أن يحمي أهل الفقير من أن يعلموا أن البيت الفلاني يعطي لهم زكاة ، فيعاني أولاد الآخذ من المذلة أمام أولاد المعطي ، ويعيش أبناء المعطي في تعال لا لزوم له . إذن : فحين يكون الوالي هو الذي يعطي فلن يكون هناك مُسْتعلٍ أو مُستعلىً عليه . أما إن لم تكن هناك ولاية إسلامية ، ولا يعلم الإنسان إلى أين ستذهب الأموال ، فهنا يصبح كل إنسان أن يراعي محيط دينه وهو يخرج الزكاة وحينئذ يكون عندنا مُعْطٍ هو صاحب المال ، ومال مُعْطىً ، ومعطىً له هو الفقير . وعلى من يعود قوله الحق : { تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ } ؟ السطحيون في الفهم يقولون : إنها تطهر من نأخذ منه المال ، وتزكّى المال الذي نأخذ منه . لكن من يملك عمقاً في الفهم يقول : ما دامت هناك في هذه الآية عناصر ، فضروري أن يعود التطهير والتزكية عليها ، وإنها تطهر وتزكي المأخوذ منه صاحب المال ، وكذلك تطهر وتزكي المال المأخوذ ، وأيضاً تطهر وتزكي المأخوذ له وهو الفقير ، لأن التطهير معناه إزالة قَذَر ، والتزكية نماء . القذارة أمر عارض على الشيء الذي نغسله ونطهره ، وتنمية له بشيء عائد عليه فيزداد ، وهكذا تُطهر الصدقة وتزكى عناصر الفعل كلها . والتطهير لمن يعطى ، له معنى معه ، والزكاة لها معنى معه لأنك إن أخذت منه المال ، فقد يكون قد غفل وأدخل في ماله شيئاً فيه شبهة ، فالصدقة والزكاة تطهران هذا المال . أما كيف تنمِّي صاحب المال ؟ أنت إن أخذت منه وهو قادر ، معنى ذلك أنك تطمئنه أنه إذا احتاج فستعطيه ، وبهذا يعرف أنه لا يعيش في المجتمع بمفرده ، ولا يخاف أن يضيع منه المال ، واطمأن لحظة أن أخذت منه المال وهو قادر كي تعطي المحتاج ، فكأنك تطمئنه وتقول له : أنت لو احتجت فلن تضيع ، وبذلك تُنمِّي تواجده وثقته ، وطهرته أيضاً من أن يكون في ماله شبهة ، هذا من ناحية صاحب المال . أما من ناحية المال نفسه ، فالصدقة تطهر المال لأن المال قد يزيد فيه شيء فيه شبهة فالزكاة تطهره . وقد يخيل إليك أنك حين تأخذ من المال فهو ينقص ، عكس الربا الذي يزيد المال ، فالربا مثلاً يحقق زيادة للمائة جنيه فتصبح مائة وعشرة مثلاً ، أما المزكِّي فالمائة جنيه تصير سبعة وتسعين ونصفاً ، والسطحي يرى أن الزكاة أنقصت المال وأن الربا يزيده ، ولكن هذا بمقاييس البشر ، لا بمقاييس من يملك الأشياء فالزكاة التي تعتبرونها نقصاً تنمِّي ، والربا الذي تعتبرونه ينمّي إنما يُنقص ، والحق يقول : { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَاتِ … } [ البقرة : 276 ] . إذن : فهناك مقاييس عند البشر ، ومقاييس أخرى عند الحق ، فما رأيته منقصاً لك ، هو عند الله زيادة ، وما رأيته مزيداً لك ، هو في الواقع نقصٌ ، كيف ؟ لأن الناس لا ينظرون إلا إلى رزق الوارد الإيجابي ، ويظنون أن هذا هو الرزق ، ولا يتذكرون أن هناك رزقاً اسمه " رزق السلب " ، فرزق الإيجاب قد يزيد دخلك مثلاً من مائة إلى مائة وعشرة . ورزق السلب يتمثل في أنك تصرف سبعين فقط ، بدلاً من أن تصرف مائةً ، فيبقى لك ثلاثون ، بالإضافة إلى أنه يمنع عنك مصارف الشر ، هذا من ناحية المال . والحق يقول : { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِندَ ٱللَّهِ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ } [ الروم : 39 ] . وكيف تكون الصدقة تطهيراً للآخذ وهو لم يذنب ذنباً يحتاج إلى تطهير ، بل هو مُعطىً له لأنه محتاج ؟ ونقول : إن الآخذ حين يأخذ من مال غيره ، وهو عاجز عن الكسب فهو يتطهر من الحقد على ذي النعمة لأنه وصله بعض من المال الذي عند ذي النعمة ، فلا يحقد عليه ولا يحسده ، فهو إن رأى عنده خيراً ، دعا له بالزيادة لأن بعضاً من الخير يعود عليه . والفلاحون في ريف مصر يهدون بعضهم بعضاً من لبن ماشيتهم ، أو بعضاً من الخير الخارج من لبنها ، وساعة أن تمرَّ إحداها على أهل القرية يدعون الله بحمايتها ، وهكذا تتطهر نفس الفقير من الحقد والحسد . هذا عن التطهير ، فماذا عن التزكية والنماء ؟ إن الفقير ساعة يرى نفسه فقيراً ، ويرى أن المجتمع الإيماني يقوم برعايته ولا يتركه وحيداً ، ويتسابق أهل الخير لنجدته ، فنفسه تنمو بالاطمئنان لأنه في مجتمع إيماني . إذن : فقوله الحق : { تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ } راجع لكل العناصر في الآية . ثم يقول سبحانه : { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ } أي : ادع لهم بالخير ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم كلما أتاه قوم بأي صدقة قال : " اللهم صَلِّ عليهم " فأتاه أبو أوفى بصدقته ، فقال : " اللهم صَلِّ على آل أبي أوفى " ، هذه هي التزكية القولية التي يحب كل مسلم أن يسمعها فيعطِي ، ويجِدّ ويجتهد من ليس عنده ليسمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقوله الحق : { إِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ } أي : اطمئنان لهم ، وما دام الرسول صلى الله عليه وسلم قد دعا له ، فهو قد اطمأن إلى أن صدقته وصلت إلى مرتبة القبول حيث جازاها رسول الله بالدعاء . وإذا ما سمعها الآخذ للصدقة يقول بينه وبين نفسه : ولماذا لا أجِدّ في حياتي وأجتهد حتى أظفر بتلك الدعوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ويُنهي الحق الآية بقوله : { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي أنه سبحانه { سَمِيعٌ } لكل ما تعتبره قولاً . و { عَلِيمٌ } بكل ما تعتبره فعلاً . ويقول الحق بعد ذلك : { أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ … } .