Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 109-109)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله : { أَفَمَنْ } استفهام ، وكأنه يقول : وكيف تساوون بين مسجد أسِّسَ على التقوى من أول يوم ، ومسجد اتُّخِذ للضرار وللكفر ولتفريق جماعة المسلمين وإرصاداً لمن حارب الله ؟ إنهما لا يستويان أبداً ، وساعة يطرح الحق هذه العملية بالاستفهام فسبحانه واثق من أن عبده سيجيب بما يريد الله . وقوله الحق : { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ } نجد كلمة " بنيان " وهي مصدر " بنى " " بنياناً " ، لكن أطلق على الشيء المبني ، فنقول ، إن هذا البنيان جميل ، أو نقول مثلاً : إن طراز هذا البنيان فرعوني . إذن : هناك فرق بين عملية البناء وبين الشيء الذي ينشأ من هذه العملية ، وكلمة البنيان اسم جنس جمعي لأنه يصح أن يكون جمعاً ومفرده " بنيانة " مثلما نقول : " رمان " ، ومفرده " رمانة " ، و " عنب " ومفرده " عنبة " ، وأيضاً " روم " مفرده " رومي " فياء النسب هنا دخلت على الجمع فجعلته مفرداً . إذن : يُفرق بين الواحد والجمع ، إما بالياء وإما بالتاء . وقد حكم سبحانه بألا يصلوا في مسجد الضرار ، وعليهم أن يصلوا في المسجد الآخر ، وهو مسجد قباء ، ثم يرد سبحانه الأمر إلى المؤمنين ، ليعرفوا أن ما حكم به سبحانه هو ما تقبله العقول ، وأن حكمهم يوافق حكم ربهم . ثم يقول سبحانه : { أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَٱنْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ } وهنا ثلاث كلمات : شفا ، وجُرف ، وهَار . والشفا مأخوذ من الشَّفَة ، و " الشفا " حرف الشيء وطرفه . وسكانُ سواحل البحار يعرفون أن البحار لها نحر من تحت الأرض ، وتجد الماء يحفر لنفسه مساحة تحت الأرض ويترك شفة من الأرض ، ولو سار عليها الإنسان لوقع لأنها الطرف الذي ليس له قاعدة وأسفله مَنْحور . و " شفا جُرُف " أي طرف سينهار لأنه " هارٍ " أي غير متماسك ، فتكون الصورة أن الماء ينحر في الساحل ، فيصنع شفة لها سطح وليس لها قاعدة تحتها ، وهذه اسمها " شفا جُرُف " . وقد قال القرآن في موضع آخر : { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا … } [ آل عمران : 103 ] . إنها الحفرة في النار ، فكيف يكون شكلها ؟ لا بد أنه مرعب . ونحن نعلم أنهم كانوا حين يحفرون الآبار ليأخذوا منها الماء ، كانوا يضعون في جدار البئر أحجاراً تمنع ردمه لأن البئر إن لم يكن له جدار من حجارة قد ينهار بفعل سقوط الرمال من على فوهته ، وهكذا تمنع الأحجار أي جزء متآكل من سطح البئر من الوقوع فيه ، والجزء المتآكل هو جرف هَارٍ ، وهكذا كان مسجد الضرار ، ينهار بمن فيه في نار جهنم . ويذيل الحق الآية : { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } وهم كانوا ظالمين بالنفاق لذلك لم يَهْدِهم الله إلى عمل الخير لأن الله لا يهدي الظالم . وسبحانه يقول في أكثر من موضع بالقرآن : { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } [ المائدة : 108 ] . ويقول سبحانه : { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } [ البقرة : 264 ] . ويقول عز وجل : { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [ البقرة : 258 ] . والهداية - كما علمنا من قبل - قسمان : هداية الدلالة ، وهي لجميع الخلق ويدل بها الله الناس على طريق الخير ، ولهم أن يسلكوه أو لا يسلكوه ، فهم أحرار ، فلله هداية شملت الجميع ، وهي هداية الدلالة ، أما الهداية المنفية هنا فهي هداية المعونة . ويقول الحق بعد ذلك : { لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِي … } .