Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 116-116)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ومادة الـ م . ل . ك يأتي منها " مالك " ، و " مَلك " ، و " ملْك " ، ومنها " مُلْك " ، ومنها " ملكوت " ، و " المِلْك " هو ما تملكه أنت في حيزك ، فإن كان هناك أحد يملكك أنت ومن معك ويملك غيرك ، فهذا هو المَلِك ، أما ما اتسع فيه مقدور الإنسان أي الذي يدخل في سياسته وتدبيره ، فاسمه مُلك ، فشيخ القبيلة له ملك ، وعمدة القرية له ملك ، وحاكم الأمة له ملك ، ويكون في الأمور الظاهرة … وأما الملكوت فهو ما لله في كونه من أسرار خفية . مثل قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } [ الأنعام : 75 ] . وساعة ترى " تاء المبالغة " في مثل " رهبوت " ، و " عظموت " تدرك أنها رهبة عظيمة . إذن : إياك أن تفهم أن الله حين يمنعك أن تستغفر لآبائك ، وأنك إن قاطعتهم فذلك يخل بوجودك في الحياة لأنهم هم ومن يؤازرهم داخلون في ملك الله ، وما دام الله له ملك السماوات والأرض ، فلا يضيرك أحد أو شيء ولا يفوتك مع الله فائت ، وما دام الله سبحانه موجوداً فكل شيء سهل لمن يأخذ بأسبابه مع الإيمان به . والحق سبحانه يبين لنا أنه سبحانه وحده الذي بيده الملك فقال : { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ … } [ آل عمران : 26 ] . وفي هذا القول الكريم أربعة أشياء متقابلة : { تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ } و { وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ } ، وإيتاء الملْك في أعراف الناس خير ، ونزعه في أعراف الناس شر ، وإعزاز الناس خير ، وإذلالهم شر ، ولم يقل الله بيده : " الخير والشر " . وإنما قال في كُلّ : { بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ } . إذن : فحين يؤتي الله إنساناً مُلْكاً نقول : هذا خير وعليك أن تستغله في الخير . وحينما ينزع الله منه الملك نقول له : لقد طغيت وخفف الله عنك جبروت الطغيان ، فنزعه الله منك فهذا خير لك . وإن أعزك الله ، فقد يعذبك حقّاً ، وإن أذلهم الله ، فالمقصود ألا يطغوا أو يتجبروا . إذن : فكلها خير . { تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ … } [ آل عمران : 26 ] . ساعة تجد ملكاً عضوضاً ، إياك أن تظن أن هذا الملك العضوض قد أخذ ملكه دون إرادة الله ، لا ، بل هو عطاء من الله . ولو أن المملوك راعى الله في كل أموره لرقق عليه قلب مالكه . ولذلك يقول لنا في الحديث القدسي : " أنا الله ملك الملوك ، قلوب الملوك ونواصيها بيدي ، فإن العباد أطاعوني جعلتهم عليهم رحمة ، وإن هم عصوني جعلتهم عليهم عقوبة ، فلا تشتغلوا بسب الملوك ، ولكن أطيعوني أعطفهم عليكم " . وما دام الأمر كذلك ، فلا بد أن نعرف أن كل حادث له حكمة في الوجود . وإن رأيت واحداً قد أخذ الملك وهو ظالم ، فاعلم أن الله قد جاء به ليربي به المملوكين ، وسبحانه لا يربي الأشرار بالأخيار لأن الأخيار لا يعرفون كيف يربون وقلوبهم تمتلئ بالرحمة ولذلك يعلمنا سبحانه : { وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضاً … } [ الأنعام : 129 ] . والخيِّر لا يدخل المعركة بل يشاهد الصراع من بعيد ، ويجري كل شيء بعلم الله لأنه سبحانه له ملك السماوات والأرض وهو الذي يحيي ويميت ، فإياك أن تُفْتَن في غير خالقك أبداً لأن الخلق مهما بلغ من قدرته وطغيانه ، لا يستطيع أن يحمي نفسه من أغيار الله في كونه ولذلك فليأخذ المؤمن من الله وليّاً له ونصيراً . وبعد أن قال لنا سبحانه : { إِنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } يأتي لنا بالأمر الذي يظهر فيه أثر القدرة ، ولا يشاركه فيه غيره ، فقال : { يُحْيِـي وَيُمِيتُ } . وقال بعض العلماء في قوله : { يُحْيِـي وَيُمِيتُ } أنه سبحانه " يحيي الجماد " ، و " يميت الحيوان " لأنهم ظنوا أن الحياة هي الحس والحركة التي نراها أمامنا من حركة وكلام وذهاب وإياب ، ونسوا أن الحياة هي ما أودعه الله في كل ذرة في الكون ، مما تؤدي به مهمتها ، ففي ذرة الرمل حياة ، والجبل فيه حياة ، وكل شيء فيه حياة ، بنص القرآن حيث يقول : { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ … } [ الأنفال : 42 ] . إذن : فالحياة مقابلها الهلاك ، وفي آيات أخرى يقابل الحياة الموت ، فالهلاك هو الموت . فإذا قال الحق سبحانه : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ … } [ القصص : 88 ] . إذن : فكل شيء قبل أن يكون هالكاً كان حيّاً ، وهكذا نعرف أن الحياة ليست هي الحس والحركة الظاهرتين ، وبعد التقدم العلمي الهائل في المجاهر الدقيقة تكشفت لنا حركة وحس كائنات كنا لا نراها ، وإذا كان الإنسان قد توصل بالآلات التي ابتكرها إلى إدراك ألوان كثيرة من الحياة فيما كان يعتقد أنه لا حياة فيها ، إذن : فكل شي في الوجود له حياة تناسبه فلو جئت بمعدن مثلاً وتركته ستجده تأكسد ، أي حدث فيه تفاعل مع مواد أخرى … فهذه حياة . بعد ذلك يقول الحق : { لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ … } .