Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 22-22)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهذا ما يؤكد الاطمئنان في قول الحق سبحانه وتعالى : { لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ } ، وكلمة { لَّهُمْ } أعطت شبه الملكية لهذا النعيم . ولذلك مهما تملك الإنسان في هذه الدنيا ، فهذا الامتلاك لا يتجاوز حدود أن يجلس ويقوم الخدم بتنفيذ أوامره لأن المتعة إما أن تكون بيدك ، وإما أن تنعم بالراحة ويقدمها لك غيرك . وعلى سبيل المثال حين تريد أن تأكل ، فإما أن تعد الطعام لنفسك ، وإما أن يعده لك غيرك . ولا يوجد إنسان مهما أوتي من ملك بإمكانه أن يحقق كل ما يريده بيده . بل لا بد من الالتجاء إلى مساعدة الآخرين . ولكن المؤمن في الجنة ينال ما يتمناه بمجرد أن يخطر الشيء بباله ، وهذا يختلف عن الدنيا لأنك حين ترغب في شيء في دنيانا ، لا بد أن تقوم به بنفسك ، أو تعتمد على غيرك لينفذه لك ، حتى وإن كان ما تطلبه هو مجرد فنجان من القهوة ، وأنت تحدد لصانعها الهيئة والنوع إن كنت تريدها بدون سكر ، أو بقليل من السكر ، أو بكثير من السكر ، لأن كلاً منا في الدنيا إنما يحيا مع أسباب الله . ولكن المؤمن في الجنة إنما يحيا مع المسبب وهو الله القادر العظيم . وحين يقول المولى سبحانه وتعالى : { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّٰتٍ } فنحن نلحظ مقابلة الجمع بالجمع ، وهي كما علمنا من قبل تقتضي القسمة آحاداً ، فإذا دخل الأستاذ الفصل وقال لتلاميذه : أخرجوا أقلامكم ، فكل تلميذ لا يخرج أقلاماً ، بل يخرج كل تلميذ قلمه . وإذا قلنا : اركبوا سياراتكم فليس معنى هذا أن يركب كل واحد كل السيارات ، ولكن معناه أن يركب كل واحد سيارته . وقول الحق : { جَنَّٰتٍ } ليس معناه أن يدخل كل مؤمن كل الجنات ، ولكن المعنى والمقصود أن يدخل كل منهم جنته على حسب الأعمال التي اكتسبها والمنزلة التي وصل إليها . ومن المهم أن نعلم أن صاحب الجنة عالية المنزلة لن يتلقى حسداً من صاحب الجنة متوسطة المنزلة . وصاحب الجنة الدنيا لن يحسد من هو أعلى منه ، وكذلك لن يزهو صاحب الجنة عالية المنزلة على غيره . وكل واحد منهم يفرح بمكانة الآخر . مثلما يحدث أحياناً في الدنيا حين يتفوق إنسان في دراسته فقد نجد من هو أقل منه درجة يفرح له بصفاء نفس ، وكذلك لا يزهو متفوق بمكانته على الأدنى منه ، وإذا كان ذلك هو ما يحدث في الدنيا ، فما بالنا بالآخرة ؟ حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } [ الحجر : 47 ] . أي : أن كلاً من أهل الجنة يفرح بمنزلته ، ويفرح بمنزلة الأعلى منه ، لأنه سينال من فيوضات الخير ، التي عند الأعلى منزلة . عندما يأتي لزيارته وقد قالوا في قول الحق سبحانه وتعالى : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } [ الرحمن : 46 ] . إن كل من علت منزلته في الجنة له جنة خاصة به ، وجنة أخرى ليتكرم بها على من هم دونه ، وكأنها مضيفة لمن يحبهم ، إذن ففي الآخرة يفرح أهل الجنة بمن هم أعلى منهم ، لأنهم سينالون منهم خيراً . وفي الدنيا إذا أراد إنسان أن ينال نعم كل الخلق ، فلا بد أن يفرح بالنعمة عند صاحبها لأنه حين يفرح بالنعمة عند صاحبها أتت إليه واستفاد منها ، وعلينا أن نوقن بأن النعمة تعشق صاحبها أكثر من عشق صاحبها لها ، لأنها تعرف أن الله قد أرسلها إليه ، ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى : { تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا … } [ إبراهيم : 25 ] . وأنت حين تبذر بذرة الشجرة ، تعطيك الشجرة الثمار ، وهي التي تعطيك نتاجها . ولست أنت الذي تنتزعه منها ، ولذلك نقول دائماً : إن الرزق يعرف عنوانك جيداً ولكنك لا تعرف مكانه أبداً ، فأنت تبحث عن الرزق في كل مكان وقد لا تجده . ولكن ما قسمه الله لك من الرزق تجده يسعى إليك ويأتيك حتماً . وأهل الجنة لا يعرفون الحقد ولا الحسد ولا الغل . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه وهم جالسون معه ذات يوم : " يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة " . ودخل الرجل وعرفه الصحابة ، فأرادوا أن يعرفوا ماذا يعمله هذا الصحابي حتى يستحق بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة . قالوا له : ونحن نريد أن نعرف ماذا تفعل لنكون معك . فقال الرجل : إني لأصلي كما تصلون وأصوم كما تصومون وأزكي كما تزكون . ولكني أبيت وليس في قلبي غل لأحد . فذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا له : لقد قال الرجل كذا وكذا . فقال صلى الله عليه وسلم : " وهل فضلت الجنة على الدنيا إلا بهذا " فالله سبحانه وتعالى يقول فيها : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ … } [ الحجر : 47 ] . ويقول الحق سبحانه وتعالى بعد ذلك : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُوۤاْ آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْكُفْرَ عَلَى … } .