Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 62-62)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ومن العجيب أن سورة التوبة فيها أكبر عدد من لفظ " يحلفون " ، ولم ترد مادة " يحلف " في سورة المائدة إلا مرة واحدة ، وفي سورة النساء مرة ، وفي سورة المجادلة ثلاث مرات ، أما في سورة التوبة فقد جاءت سبع مرات ، وفي سورة القلم جاءت " حلاف " ، حتى إن سورة التوبة سميت " سورة يحلف " لأن فيها أكبر عدد من { يَحْلِفُونَ } في القرآن الكريم . ويقول الحق سبحانه : { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ } وفي هذا إصرار من المنافقين على الحلف كذباً ، وهو ما يوضح غباءهم وعدم فطنتهم . وأيضاً يقول الحق : { سَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ إِذَا ٱنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ … } [ التوبة : 95 ] . واستخدام الحق سبحانه وتعالى حرف السين معناه أنهم لم يحلفوا بعد ، ولكنهم سيحلفون بعد فترة ، أي في المستقبل ، أي : أن الآية الكريمة نزلت ولم يحلفوا بعد ، إنما هم سيحلفون بعد نزول الآية الكريمة ، ولو كان عندهم ذرة من ذكاء ما حلفوا ، ولقالوا : إن القرآن قال سنحلف ولكننا لم نحلف . ولكنهم ورغم نزول الآية جاءوا مصدقين للقرآن مثبتين للإيمان وحلفوا . وكلمة " حلف " هي القسم أو اليمين . وحين نتمعن في القرآن نجد أن الحلف لا يطلق إلا على اليمين الكاذبة ، أما القسم فإنه يطلق على اليمين الصادقة واليمين الكاذبة . فمثلاً عندما نقرأ في سورة المائدة : { ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ … } [ المائدة : 89 ] . وما دامت هناك كفارة يمين يكون الحلف كذباً لأن الذي يستوجب الكفارة هو الكذب . وإذا استعرضنا بعد ذلك كل " حلف " في القرآن نجد أنه يقصد بها اليمين الكاذبة ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى : { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } [ القلم : 10 ] . فالحلف هنا مقصود به القسم الكاذب . ولكن إذا قال الحق سبحانه وتعالى { أَقْسَمُواْ } فقد يكون اليمين صادقاً وقد يكون كاذباً . والحق سبحانه وتعالى يقول : { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ } أي : أن هدف الحلف كذباً هو إرضاء المؤمنين حتى يطمئنوا للمنافقين ولا يتوقعوا منهم الشر ، ثم يأتي الحق سبحانه وتعالى بالحقيقة : { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } إذن : فهم يحلفون لترضَوْا أنتم عنهم ، أما المؤمن الحق فهو لا يقسم إلا ليرضى الله لأن الإنسان قد يخدع البشر ، وقد يفلت من عدالة الأرض ، ولكنك لا تخدع الله ولا تلفت من عدالته أبداً . ومن مهام الإيمان أن الإنسان يرعى الله في كل معاملة له مع البشر ويبتغي رضاه ويخاف من غضبه ، ذلك هو المؤمن الحق . وهنا نلاحظ أن الحق سبحانه وتعالى قال : { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } وكان القياس اللغوي على حسب كلام البشر أن يقول : والله ورسوله أحق أن ترضوهما . وشاء الحق أن يأتى بها { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } لأن رضا الله ورضا رسوله هو رضا واحد لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأتي بالقرآن من عنده ، ولكنه وحي من عند الله . وإرضاء الرسول هو اتباع المنهج الذي فيه رضا الله . لذلك يقول الحق سبحانه وتعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ … } [ الفتح : 10 ] . ويقول سبحانه : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ … } [ آل عمران : 31 ] . ويقول سبحانه : { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ … } [ النساء : 80 ] . إذن : فلا توجد طاعة لله وطاعة للرسول ، ولا رضا لله ورضا للرسول لأن الرضا منهما رضا واحد . إذن : فقول الحق سبحانه وتعالى : { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } دليل على اتحاد الرضا من الله ومن رسوله ، فما يُرضي الله يُرضي الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما يُغضب الله يُغضب الرسول . أو : أن الحق سبحانه وتعالى يريدنا أن نتأدب مع ذاته ، في أنه إذا اجتمع أمران لله ولرسوله لا نجعل أحداً مع الله ، وإنما نجعله له سبحانه وهو الواحد . ولذلك فعندما ارتكب رجل ذنباً ، وقالوا له : أعلن توبتك أمام رسول الله ، قال الرجل : إني أتوب إلى الله ولا أتوب إلى محمد . فقال له رسول الله : " وقعت على الخير " . انظر إلى عظمة الرسول الكريم الذي يثني على رجل يقول أمامه : إني لا أتوب إلى محمد ، وإنما أتوب إلى الله . وقول الحق سبحانه : { إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } أي : إن كان إيمانهم حقيقة ، وليس نفاقاً . إذن : فنحن لا نطلب الرضا من خلق الله ، ولكن نطلبه من الله . ورضا الله سبحانه وتعالى ورضا المبلِّغ عنه رسوله صلى الله عليه وسلم رضا واحد . ولذلك وحَّد الضمير { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } ولم يقل يرضوهما . ثم يقول الحق بعد ذلك : { أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ … } .