Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 96-96)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والرضا هو اطمئنان القلب إلى أمر فيه نفعٌ فحين أقول : أنا راضٍ بالشيء الفلاني ، فمعنى هذا أن كمية النفع التي آخذها منه تكفيني . ومرحلة الإرضاء تختلف من إنسان إلى آخر ، فقد ترضى أنت بنفع ما ، وعند غيرك ما هو أحسن منه لكنه غير راضٍ ، ويتميز المؤمن بأن كل ما يجري عليه من غير كسب منه ، لا بد أن يرضى به لأن مجريه رحيم . وقد تكون الرحمة لأمر لا يعلمه المؤمن الآن فقد يُضَن عليه بمال لأنه سبحانه لو زَوَّده بالمال فقد يبعثره على أولاده ، ويصبح المال وسيلة انحرافهم ، فالحق سبحانه يعطيه المال بقدر ما يطعم أولاده إلى أن يمر أبناؤه من فترة المراهقة ، ثم ينعم ربنا عليه بالمال بعد أن وصل الأبناء إلى النضج ، وضنّ الحق على العبد أحياناً هو عين العطاء ، ولذلك يقال : " إذا لم يكُنْ ما تريد ، فَلْتُرِدْ ما يكون " . ولماذا يحلف المنافقون ؟ وتأتي الإجابة من الحق : { لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ } وماذا يحقق رضا المؤمنين لهؤلاء المنافقين ؟ ثم هل للمؤمن رضاء من خلف رضاء رسول الله ؟ وهل لرسول الله رضا من خلف رضاء ربه ؟ إن ما يُفرح هو رضا مَنْ يملك النفع ، فأنتم حين ترضون عنهم بعد أن يحلفوا لكم ، وتقتنعوا ببشريتكم فترضوا عنهم ، فليس لكم رضا ينفعهم ، ولا لرسول الله رضا من وراء رضا ربه ، فالرضا الحق هنا هو رضا الله ، فإياكم أن يخدعوكم بمعسول الكلام ، وزيف الأساليب كي ترضوا عنهم . ثم يقول الحق : { فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ } . أي : إن تحقق هذا الرضا منكم عنهم ، فهو رضاً بعيد عن رضا الله ورسوله ، وليس من باطن رضا رسول الله ، ولا من باطن رضا الله لذلك يُنْهي الحق الآية بقوله : { فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَرْضَىٰ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } وإن لم يَرْضَ الله فرضاكم لن ينفعكم ، وطلبهم الرضا منكم غباء منهم ، فإن رضاكم عنهم لن يقدم ، ولن يؤخر إلا إن كان من باطن رضا الله ، ورضا رسوله . وهنا ملحظ : هم فاسقون أم كافرون ؟ نقول : إن الحق سبحانه أوضح لنا : { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ … } [ النساء : 145 ] . أي أن مكان المنافق في النار أسفل من مكان الكافر . وكيف يكون المنافق فاسقاً مع أن المؤمن قد يكون فاسقاً ؟ فالمؤمن قد يفسق بأن يرتكب كبيرة من الكبائر ، وسبحانه يقول : { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ ٱللَّهِ … } [ المائدة : 38 ] . فالمؤمن قد يسرق ، وقد يزني أيضاً . فسبحانه يقول : { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي … } [ النور : 2 ] . وما دام سبحانه قد جرّم الفعل ، ووضع له عقوبة فمن الممكن أن يرتكبه المؤمن ، ولكن علينا أن نُفرِّق بين الفاسق والعاصي ، فمن يرتكب الكبائر فهو فاسق ، ومن يرتكب الصغائر فهو عاصٍ . فكيف يصف الله المنافقين بالفسق ؟ ولنذكر ما نقوله دائماً من أن الكفر ، إنما هو كفر بمحمد وبالإسلام ، والفسق إذا جاء مع الكفر فهو ليس فسق ارتكاب المعصية والإنسان على دين الإسلام ، لكنه الخروج عن الطاعة حتى في الأديان التي يتبعها أي قوم ، فالأديان كلها تضم قدراً من القيم ، وأتباعها محاسبون على القيم التي في أديانهم ، لكنهم أيضاً يفسقون عنها . ويقول الحق بعد ذلك : { ٱلأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً … } .