Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 97-97)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقد تكلم الحق من قبل في المنافقين من غير الأعراب ، وهم العرب الذين نزل لهم وللناس كافة منهج الله ، وهنا يتكلم سبحانه عن الأعراب ، فما الفرق بين العرب والأعراب ؟ العرب هم سكان القرى المتوطنون في أماكن ، يذهبون منها أو فيها إلى مصالحهم ويأوون إليها وهذه مظهرها البيوت الثابتة ، والتأهيل المستقر ، لكن الأعراب هم سكان البوادي ، وليس لهم استقرار في مكان ، إنما يتتبعون مواضع الكلأ وليس لهم توطُّن ، ولا أنس لهم بمقام ولا بمكان . ومعنى ذلك أن كلاّ منهم ليس له سياسة عامة تحكمه في تلك البادية ، وكل واحد منهم - كما يقال - صوته من دماغه ، أو من دماغ رئيس القبيلة ، وما داموا بهذا الشكل ، وليس عندهم توطن يوحي بالمعاشرة التي تقتضي لين الجانب وحسن التعامل لذلك يقال عن كل واحد منهم " مستوحش " أي : ليس له ألفة بمكان أو جيران أو قانون عام . أما الذي يحيا في القرية ويتوطنها فله جيران ، وله قانون يحكمه ، وله إلف بالمكان ، وإلف بالمكين ، ويتعاون مع غيره ، ويتطبع بسكان القرية ويألفهم ويألفونه ومع الإلف والائتلاف يكون اللين في التعامل ، عكس من يحيا في البادية ، فهو يمتلئ بالقسوة ، والفظاظة ، والشراسة لأن بيئته نضحت عليه والوحدة عزلته . فإذا سمعت " أعراب " فاعلم أنهم سكان البادية المشهورون بالغلظة لأنه لا يوجد لهم تجمع يوحي لهم بلطف سلوك ، وأدب تعامل ، وكلمة " الأعراب " مفردها " أعرابيّ " . وهناك أشياء الفرق بين مفردها وجمعها التاء ، مثل " عنب " و " عنبة " هي المفرد ، وقد يفرق بين الجمع والمفرد " ياء " مثل " روم " والمفرد " رومي " . فـ " أعراب " - إذن - هي جمع " أعرابي " وليس جمع عرب . وهؤلاء مقسومون قسمين : قسم له إلف بالحضر لأن كل أهل حضر قد يكون لهم بادية يلجأون إليها ، أي أن الأعرابي حين يذهب إلى البادية فهو ينزل ضيفاً عليهم ، ويسمون " المعارف " ، وكل واحد في البادية قد يكون له واحد في الحضر ، إذا اضطر للذهاب للمدينة أو للقرية فهو ينزل عنده . وهناك قسم آخر لا بادية لهم ولا حاضرة . وبعد أن تكلم الحق عن العرب ونفاقهم ، يتكلم هنا عن الأعراب فيقول : { ٱلأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } ولماذا هم أشد كفراً ونفاقاً ؟ لأنهم بعيدون عن مواطن العلم والدعوة ، وعندهم غِلْظة ، وعندهم جفاء ، وقوله سبحانه : { وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ } يعني : أحق ألاّ يعلموا حدود ما أنزل الله لأن عرفان حدود ما أنزل الله من الأوامر والنواهي ، والحلال والحرام ، يأتي من التواصل مع العلم ، وهذا لا يتأتَّى بالتنقل من مكان إلى آخر ، بل لا بد من الاستقرار . والعلم - كما نعرف - ألا تغيب عن العالم قضية من قضايا الكون وكل واحد منا يعلم علماً على قدر تجربته ومراسه في الحياة ، وعلى قدر جلوسه إلى العلماء ، لكن الله وحده يعلم علم الجميع . والعلم عند البشر قد يوظّف ، وقد لا يوظّف ، وكثير من الناس عندهم العلم لكنهم لا يُوظِّفونه ، ومن لا يُوظِّف علمه يصير علمه حُجة عليه . أما من يُوظِّف علمه ، ويضع الأمر في محله ، والنهي في محله ، والحلال في محله ، والحرام في محله ، والمشتبه يضع له حكماً مناسباً ، فهو يوصف بالحكيم لأنه وضع كل شيء في محله . فإذا شرع الله أمراً ، فسبحانه قد شرع عن " علم " وعن " حكمة " ، وما دام قد شرع يجب ألا نخالفه لأن كل تشريع ينزله الله على رسوله إنما هو لتنظيم حركة الحياة لأنه سبحانه هو الذي خلق الحياة وخلق كل المخلوقات ، وإياك أن تدس أنت أنفك فتشرِّع ما يغضب الحق لأن فساد الكون كله قد جاء من الذين أرادوا أن يُقِّننوا للخلق ، رغم أنهم لم يخلقوهم . ونقول لهم : دعوا التقنين للخلق لمن خلق الخلق ، فهو الصانع العالم بحدود ما صنع ووضع قوانين صيانة ما خلق ، وهو سبحانه الذي يمكنه أن يصلحها إن أصابها عطب أو فساد . ومن هؤلاء الأعراب - الذين هم أشد كفراً ونفاقاً ، وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله - قوم آخرون يقول عنهم الحق : { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ … } .