Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 98-98)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وعلى سبيل المثال : إذا ذهب إليهم داعية من الدعاة ، وقال لهم فكرة عن الإسلام . فالواحد من هؤلاء الأعراب يدَّعي في ظاهر الأمر أنه يتبع الإسلام ، وإن عُلِمَ أن في الإسلام زكاة فهو يعطي عامل الزكاة النصاب المقرر عليه ، ويعتبر ما دفعه " مغرما " أي غرامة لأنه أعطى النصاب وهو كاره . وما دُمْتُ كارهاً فأنت لا تؤمن بحكمته ، وتظن أن ما دفعته مأخوذ منك . وتقول : " أخذوا عرقي " و " أخذوا ناتج حركتي " وأعطوه لمن لم يعرق ولم يتحرك في الحياة ، متناسياً أن هذا الأخذ هو تأمين لحياتك لأنك حين تعجز ستجد من يعطيك ، والإسلام يأخذ منك وأنت قادر ، ويعطيك إذا عجزت ، وفي هذا تأمين لحياتك . وأنت تعلم أن الأشياء أعراض في الكون القوة عرض ، والمرض عرض ، والصحة عرض ، والعجز عرض ، وأنت عُرْضة إن كنت قادراً أن تصير عاجزاً ، وإن كنت صحيح الجسد فأنت عرضة لأن تمرض ، فإذا ما طمأنك المشرع على أن أخاك العاجز حين عجز أخذنا منك له حين قدرت وبذلك تواجه أنت الحياة برصيد قوي من الإيمان والشجاعة ، ويبين الحق لك أنك لا تعيش وحدك ، ولكنك تعيش في مجتمع متكافل ، إن أصابك شيء من عجز ، فقدرة الباقي هي المرجع لك . وكان الواحد من هؤلاء الأعراب يؤدي نصاب الزكاة وهو كاره ويعتبرها مَغْرماً ، ومنهم من كان يتمنى أن تصيب المسلمين كارثة حتى لا يأخذوا منه الزكاة ، وهكذا كان الواحد منهم يتربص بالمسلمين الدوائر ، مصداقاً لقول الحق : { وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ } . أي يتمنى وينتظر أن يصيب المسلمين كارثة فلا يأخذوا منه الزكاة التي اعتبرها مغرماً . ولماذا قال الحق : { ٱلدَّوَائِرَ } ؟ نعلم أن الخطْبَ الشديد حين يصيب الإنسان أو القوم إن كان فظيعاً وقويّاً يقال : " دارت عليهم الدوائر " . أي أن المصيبة أحاطت بهم فلا منفذ لهم يخرجون منه ، وكان بعض من الأعراب يتربصون بالمسلمين الدوائر لأنهم كارهون لدفع الزكاة ويظنون أنها غرامة ، ولا يستوعبون أن الزكاة تُكْتب في الميزان ، وأنها تطهير ونماء للمال ، وأنها حمل لعجز العاجز ، إن عجز الواحد منهم فسوف يجد من يحمله . والذي يتربص بكم الدوائر ، ولا يفطن إلى حكمة الأخذ منه ، هو الذي تأتي عليه دائرة السوء مصداقاً لقوله الحق : { عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } لأن أيّاً منهم لم يفطن وينتبه لقيمة الوجود في المجتمع الإيماني الذي يعطي له الزكاة إن عجز ، فإن تربصت الدائرة بمن يأخذ منك ، ولم تفطن إلى أن من يأخذ منك يصح أن يأخذ من الغير لك فسوف تأتي الدائرة عليك . وقوله الحق : { عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ } تبدو كأنها دعوة ، ومن الذي يدعو ؟ إنه الله . وهناك فرق بين أن يدعو غير قادر ، وبين أن يدعو قادراً . إن كان ربنا هو من يقول : { عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ } ، فدائرة السوء قادمة لهم لا محالة . وينهي الحق الآية : { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ، فسبحانه يسمع كلماتهم حين يأتي عامل الزكاة ليأخذ نصاب الزكاة ، وكيف كانوا يستقبلونه بما يكره ، وقد يكرهون في طي نفوسهم ولا يتكلمون ، فإن تكلموا فالله سميع ، وإن لم يتكلموا ، وكتموا الكراهية في قلوبهم ، فالله عليم ، إذن : فهم محاصرون بعلم الله وسمعه . وبعد ذلك جاء الحق سبحانه للصنف الثاني ، وهم من لهم قليل من الإلف ، فإن كان من أهل البادية فله أهل من الحضر ، أو كان من الحضر فله أهل من البادية فيقول سبحانه : { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ … } .