Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 50-73)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المنَاسَبَة : هذه هي القصة الثانية من القصص التي ذكرها الله في هذه السورة الكريمة ، وهي قصة هود مع قومه عاد ، وقد ذكرها تعالى بالإِسهاب ، ولهذا سميت السورة " سورة هود " ثم أعقبها بالحديث عن ثمود وهي القصة الثالثة في هذه السورة ، ثم قصة إبراهيم وبشارة الملائكة له بإسحاق وهي القصة الرابعة . اللغَة : { مِّدْرَاراً } كثيراً متتابعاً من درَّت السماء تدرُّ إذا سكبت المطر بسخاء ، والمدرارُ : الكثير الدرّ وهو من أبنية المبالغة { ٱعْتَرَاكَ } أصابك { نَاصِيَتِهَآ } الناصيةُ : منبت الشعر في مقدم الرأس { جَبَّارٍ } الجبار : المتكبر { عَنِيدٍ } العنيد : الطاغي الذي لا يقبل الحق ولا يذعن له ، قال أبو عبيدة : العنيد والمعاند : المعارضُ بالخلاف { ٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } جعلكم عمَّارها وسكانها { تَخْسِيرٍ } تضليل وإبعاد عن الخير { حَنِيذٍ } مشوي يقال : حنذتُ الشاة أحنِذُها حنْذاً أي شويتها { نَكِرَهُمْ } أنكرهم يقال : نكره وأنكره واستنكره بمعنى واحد وهو أن يجده على غير ما عهده قال الشاعر : @ وأنكرتْني وما كان الذي نكِرت من الحوادث إلا الشيبَ والصَّلَعا @@ فجمع الشاعر بين اللغتين { أَوْجَسَ } استشعر وأحسَّ { بَعْلِي } زوجي . التفسِير : { وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً } أي ولقد أرسلنا إلى قبيلة عاد نبياً منهم اسمه هود { قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } أي اعبدوا الله وحده دون الآلهة والأوثان { مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } أي ليس لكم معبودٌ غيره يستحق العبادة { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ } أي ما أنتم في عبادتكم غير الله إلا كاذبون عليه جل وعلا ، لأنه لا إله سواه { يٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً } أي لا أطلب منكم على النصح والبلاغ جزاءً ولا ثواباً { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِي فَطَرَنِيۤ } أي ما ثوابي وجزائي إلا على الله الذي خلقني { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أي أتغفلون عن ذلك فلا تعقلون أن من يدعوكم إلى الخير دون إرادة جزاءٍ منكم هو لكم ناصح أمين ؟ والاستفهام للإِنكار والتقريع { وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } أي استغفروه من الكفر والإِشراك { ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ } أي ارجعوا إليه بالطاعة والإِستقامة على دينه والتمسك بالإِيمان والتوحيد { يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً } أي يرسل عليكم المطر غزيراً متتابعاً ، رُوي أن عاداً كان حُبس عنهم المطر ثلاث سنين حتى كادوا يهلكون ، فأمرهم هودٌ بالتوبة والاستغفار ووعدهم على ذلك بنزول الغيث والمطر ، وفي الآية دليل على أن التوبة والاستغفار ، سببٌ للرحمة ونزول الأمطار { وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ } أي ويزدكم عزاً وفخاراً فوق عزكم وفخاركم قال مجاهد : شدة إلى شدتكم ، فإنهم كانوا في غاية القوة والبطش حتى قالوا { مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } [ فصلت : 15 ] ؟ { وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ } أي لا تعرضوا عما أدعوكم إليه مصرّين على الإِجرام ، وارتكاب الآثام { قَالُواْ يٰهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ } أي ما جئتنا بحجةٍ واضحة تدل على صدقك قال الآلوسي : وإنما قالوه لفرط عنادهم ، أو لشدة عَمَاهم عن الحق { وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِيۤ آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ } أي لسنا بتاركين عبادة الأصنام من أجل قولك { وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } أي لسنا بمصدقين لنبوتك ورسالتك ، والجملة تقنيطٌ من دخولهم في دينه ، ثم نسبوه إلى الخبل والجنون فقالوا { إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ } أي ما نقول إلا أصابك بعض آلهتنا بجنون لما سببتها ونهيتنا عن عبادتها قال الزمخشري : دلت أجوبتهم المتقدمة على أن القوم كانوا جفاةً ، غلاظ الأكباد ، لا يلتفتون إلى النصح ، ولا تلين شكيمتهم للرشد ، وقد دلَّ قولهم الأخير على جهلٍ مفرط ، وبلَهٍ متناهٍ ، حيث اعتقدوا في حجارة أنها تنتصر وتنتقم { قَالَ إِنِّيۤ أُشْهِدُ ٱللَّهَ } أي قال هودٌ إني أُشهدُ الله على نفسي { وَٱشْهَدُوۤاْ أَنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * مِن دُونِهِ } أي وأشهدكم أيضاً أيها القوم بأنني بريءٌ مما تشركون في عبادة الله من الأوثان والأصنام { فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ } أي فاحتالوا في هلاكي أنتم وآلهتكم ثم لا تمهلوني طرفة عين قال أبو السعود : وهذا من أعظم المعجزات ، فإنه عليه السلام كان رجلاً مفرداً بين الجم الغفير من عتاة عاد ، الغلاظ الشداد ، وقد حقّرهم وهيّجهم بانتقاص آلهتهم ، وحثهم على التصدّي له فلم يقدروا على مباشرة شيء ، وظهر عجزهم عن ذلك ظهوراً بيناً وقال الزمخشري : من أعظم الآيات أن يُواجه بهذا الكلام رجلٌ واحد أمة عطاشاً إلى إراقة دمه ، يرمونه عن قوسٍ واحدة ، وذلك لثقته بربه وأنه يعصمه منهم ، فلا تنشب فيه مخالبهم ، ومثله قول نوح { فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ } [ يونس : 71 ] { إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ } أي إني لجأت إلى الله وفوضت أمري إليه تعالى مالكي ومالككم { مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ } أي ما من نسمةٍ تدبُّ على وجه الأرض إلا هي في قبضته وتحت قهره ، والأخذُ بالناصية تمثيلٌ للملك والقهر ، والجملةُ تعليلٌ لقوة توكله على الله وعدم مبالاته بالخلق { إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي إن ربي عادل ، يجازي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، لا يظلم أحداً شيئاً { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ } أي فإن تُعرضوا عن قبول دعوتي فقد أبلغتكم أيها القوم رسالة ربي ، وما على الرسول إلا البلاغ { وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ } أي فسوف يهلككم الله ويستخلف قوماً آخرين غيركم ، وهذا وعيدٌ شديد { وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً } أي لا تضرون الله شيئاً بإشراككم { إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } أي إنه سبحانه رقيبٌ على كل شيء ، وهو يحفظني من شركم ومكركم { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } أي ولما جاء أمرنا بالعذاب ، وهو ما نزل بهم من الريح العقيم { نَجَّيْنَا هُوداً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا } أي نجينا من العذاب هوداً والمؤمنون بفضلٍ عظيم ونعمة منا عليهم { وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } أي وخلصانهم من ذلك العذاب الشديد ، وهي الريح المدمرة التي كانت تهدم المساكن ، وتدخل في أنوف أعداء الله وتخرج من أدبارهم ، وتصرعهم على وجوههم حتى صاروا كأعجاز نخلٍ خاوية { وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ } الإِشارة لآثارهم أي تلك آثار المكذبين من قوم عاد انظروا ماذا حلّ بهم ، حين كفروا بالله ، وأنكروا آياته في الأنفس والآفاق الدالة على وحدانيته ؟ { وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ } أي عصوا رسوله هوداً ، وجمعه تفظيعاً لحالهم ، وإظهاراً لكمال كفرهم وعنادهم ، ببيان أن عصيانهم له عصيانٌ لجميع الرسل السابقين واللاحقين لاتفاق كلمتهم على التوحيد { وَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } أي أطاعوا أمر كل مستكبر على الله ، حائدٍ عن الحق ، لا يُذعن له ولا يقبله ، يريد به الرؤساء والكبراء { وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً } أي وأُلحقوا باللعنة والطرد من رحمة الله في الدنيا { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } أي ويوم القيامة أيضاً تلحقهم اللعنة قال الرازي : جعل اللعن رديفاً لهم ومتابعاً ومصاحباً في الدنيا والآخرة ، ومعنى اللعنة الإِبعادُ من رحمة الله تعالى ومن كل خير { أَلاۤ إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ } هذ تشنيعٌ لكفرهم وتهويلٌ بحرف التنبيه وبتِكرار اسم عاد أي ألا فانتبهوا إنَّ عاداً كفروا بربهم إذْ عبدوا غيره ، وجحدوا نعمته إذ كذبوا رسوله ، فاستحقوا اللعنة في الدنيا ، واللعنة في الآخرة { أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ } أي أبعدهم الله من الخير ، وأهلكهم عن بكرة أبيهم ، وهي جملة دعائية بالهلاك واللعنة { وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً } أي ولقد أرسلنا إلى قوم ثمود نبيا منهم وهو صالح عليه السلام { قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } أي اعبدوا الله وحده ليس لكم ربٌّ معبود سواه { هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ } أي هو تعالى ابتدأ خلقكم من الأرض ، فخلق آدم من تراب ثم ذريته من نطفة { وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } أي جعلكم عمَّارها وسكانها تسكنون بها { فَٱسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ } أي استغفروه من الشرك ثم ارجعوا إليه بالطاعة { إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ } أي إنه سبحانه قريب الرحمة مجيب الدعاء { قَالُواْ يٰصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـٰذَا } أي كنا نرجو أن تكون فينا سيّداً قبل تلك المقالة فلما قلتها انقطع رجاؤنا فيك { أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } أي أتنهانا يا صالح عن عبادة الأوثان التي عبدها آباؤنا ؟ { وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ } أي وإننا لشاكون في دعواك ، وأمرُك مريب يوجب التهمة { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي } أي أخبروني إن كنتُ على برهانٍ وحجة واضحةٍ من ربي { وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً } أي وأعطاني النبوة والرسالة { فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ } أي فمن يمنعني من عذاب الله إن عصيت أمره ؟ { فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ } أي فما تزيدونني بموافقتكم وعصيان أمر الله غير تضليل وإبعاد عن الخير قال الزمخشري : { غَيْرَ تَخْسِيرٍ } يعني تخسّرون أعمالي وتبطلونها { وَيٰقَوْمِ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً } أضاف الناقة إلى الله تشريفاً لها لأنها خرجت من صخرة صماء بقدرة الله حسب طلبهم أي هذه الناقة معجزتي لكم وعلامة على صدقي { فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ } أي دعوها تأكل وتشرب في أرض الله فليس عليكم رزقها { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ } أي لا تنالوها بشيءٍ من السوء فيصيبكم عذاب عاجل لا يتأخر عنكم { فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ } أي ذبحوا الناقة فقال لهم صالح : استمتعوا بالعيش في بلدكم ثلاثة أيام ثم تهلكون قال القرطبي : إنما عقرها بعضهم وأضيف إلى الكل لأنه كان برضى الباقين ، فعقرت يوم الأربعاء فأقاموا يوم الخميس والجمعة والسبت وآتاهم العذاب يوم الأحد { ذٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } أي وعدٌ حق غير مكذوب فيه { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ } أي فلما جاء أمرنا بإهلاكهم نجينا صالحاً ومن آمن به { بِرَحْمَةٍ مِّنَّا } أي بنعمةٍ وفضلٍ عظيم من الله { وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ } أي ونجيناهم من هوان ذلك اليوم وذُلّة { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ } أي القوي في بطشه ، العزيز في ملكه ، لا يغلبه غالب ، ولا يقهره قاهر { وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } أي أخذتهم صيحةٌ من السماء تقطعت لها قلوبهم ، فأصبحوا هامدين موتى لا حِرَاك بهم كالطير إذا جثمت { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ } أي كأن لم يقيموا في ديارهم ولم يَعْمُروها { أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ } أي ألا فانتبهوا أيها القوم إن ثمود كفروا بآيات ربهم فسحقاً لهم وبُعْداً ، وهلاكاً ولعنة { وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ } هذه هي القصة الرابعة وهي قصة لوط وهلاك قومه المكذبين أي جاءت الملائكةُ الذين أرسلناهم لإِهلاك قوم لوط إبراهيمَ بالبشارة بإسحاق ، قال القرطبي : لما أنزل الله الملائكة لعذاب قوم لوط مرّوا بإبراهيم فظنهم أضيافاً ، وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل قاله ابن عباس ، وقال السدي : كانوا أحد عشر ملَكاً على صورة الغلمان الحسان الوجوه { قَالُواْ سَلاَماً } أي سلموا عليه سلاماً { قَالَ سَلاَمٌ } أي قال لهم إبراهيم : سلام عليكم قال المفسرون : ردَّ عليهم التحية بأحسن من تحيتهم لأنه جاء بها جملة اسميّة وهي تدل على الثبات والاستمرار { فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } أي فما أبطأ ولا تأخر مجيئه حتى جاء بعجلٍ مشويٍّ فقدمه لهم قال الزمخشري : والعجل : ولد البقرة ويسمى " الحسيل " وكان مال إبراهيم عليه السلام البقر ، والحنيذ : المشوي بالحجارة المحماة في أخدود وقيل : الذي يقطر دسمه ويدل عليه " بعجلٍ سمين " { فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ } أي فلما رآهم لا يمدون أيديهم إلى الطعام ولا يأكلون منه أنكرهم { وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً } أي أحسَّ منهم الخوف والفزع قال قتادة : كان العرب إذا نزل بهم ضيف فلم يطعم من طعامهم ظنوا أنه لم يجيء بخير وأنه جاء يحدث نفسه بشرّ { قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ } أي قالت الملائكة : لا تخف فإنا ملائكة ربك لا نأكل ، وقد أُرسلنا لإِهلاك قوم لوط { وَٱمْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ } أي وامرأة إبراهيم واسمها " سارة " قائمة وراء الستر تسمع كلامهم فضحكت استبشاراً بهلاك قوم لوط { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } أي بشرتها الملائكة بإسحاق ولداً لها ويأتيه مولودٌ هو يعقوب ابناً لولدها { قَالَتْ يَٰوَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً } أي قالت سارة متعجبة : يا لهفي ويا عجبي أألد وأنا امرأة مسنّة وهذا زوجي إبراهيم شيخ هرم أيضاً فكيف يأتينا الولد ؟ { إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ } أي إن هذا الأمر لشيء غريب لم تجر به العادة قال مجاهد : كانت يومئذٍ ابنة تسع وتسعين سنة ، وإبراهيم ابن مائة وعشرين سنة { قَالُوۤاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } أي أتعجبين من قدرة الله وحكمته في خلق الولد من زوجين هرمين ؟ ليس هذا بمكان عجب على قدرة الله { رَحْمَةُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ } أي رحمكم الله وبارك فيكم يا أهل بيت إبراهيم { إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ } أي إنه تعالى محمود ممجدّ في صفاته وذاته ، مستحقٌ للحمد والتمجيد من عباده ، وهو تعليل بديع لما سبق من البشارة . البَلاَغَة : 1 - { يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً } المراد بالسماء المطر فهو مجاز مرسل لأن المطر ينزل من السماء ولفظ " مدراراً " للمبالغة أي كثير الدر . 2 - { فَكِيدُونِي جَمِيعاً } أمرٌ بمعنى التعجيز . 3 - { مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ } استعارة تمثيلية شبّه الخلق وهم في قبضة الله وملكه وتحت قهره وسلطانه بالمالك الذي يقود المقدور عليه بناصيته كما يقاد الأسير والفرس بناصيته . 4 - { إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } استعارة لطيفة عن كمال العدل في ملكه تعالى فهو مطلع على أمور العباد لا يفوته ظالم ، ولا يضيع عنده معتصم به . 5 - { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } الأمر كناية عن العذاب . 6 - { نَجَّيْنَا هُوداً … وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } التكرار في لفظ الإِنجاء لبيان أن الأمر شديد عظيم لا سهل يسير ، ويسمى هذا الإطناب . 7 - { وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ } أي عصوا رسولهم هوداً وفيه تفظيع لحالهم وبيان أن عصيانهم له عصيانٌ لجميع الرسل السابقين واللاحقين ، وهو مجاز مرسل من باب إطلاق الكل وإرادة البعض . 8 - { أَلاۤ إِنَّ عَاداً … أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ } تكرير حرف التنبيه وإعادة لفظ " عاد " للمبالغة في تهويل حالهم . تنبيه : لم يقل هود عليه السلام : إِني أُشهد الله وأشهدكم وإِنما قال : { إِنِّيۤ أُشْهِدُ ٱللَّهَ وَٱشْهَدُوۤاْ أَنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } وذلك لئلا يفيد التشريك بين الشهادتين والتسوية بينهما ، فأين شهادة الله العلي الكبير من شهادة العبد الحقير ؟ !