Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 51-74)

Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المنَاسَبَة : لما ذكر تعالى أن كل ما في الكون منقادٌ لأمر الله ، خاضعٌ لسلطانه ، أمر هنا بإِفراده بالعبادة لأنه الخالق الرازق ، ثم ضرب الأمثال في ضلالات أهل الجاهلية ، وذكَّر الناس بنعمه الجليلة ليعبدوه ويشكروه . اللغَة : { وَاصِباً } دائماً ولازماً قال الجوهري : وصبَ الشيء وصوباً أي دام ومنه { وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ } [ الصافات : 9 ] أي دائم وقال الشاعر : @ " وهزيمٌ ردعه واصب " @@ { تَجْأَرُونَ } الجؤار : رفع الصوت بالدعاء والتضرع يقال : جأر أي صاح قال الأعشى يصف بقرة : @ فطافت ثلاثاً بينَ يومٍ وليلةٍ وكانَ النكيرُ أن تُطيف وتجْأَرا @@ { كَظِيمٌ } ممتلئ غماً وغيظاً ، والكظم أن يطبق الفم فلا يتكلم من الغيظ { يَتَوَارَىٰ } يختفي { هُونٍ } هَوانٍ وذُل { فَرْثٍ } الفرْثُ : الزبل الذي ينزل إِلى الكَرش أو المِعَى { سَآئِغاً } لذيذاً هيناً لا يغصُّ به من شربه { ذُلُلاً } جمع ذلول وهو المنقاد المسخَّر بلا عناء { حَفَدَةً } الحفدة : قال الأزهري أولاد الأولاد ، والحفدة : الخدم والأعوان . التفسِير : { وَقَالَ ٱللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ } أي لا تعبدوا إِلهين فإِن الإِله الحق لا يتعدد { إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ } أي إِلهكم واحد أحد فردٌ صمد { فَإيَّايَ فَٱرْهَبُونِ } أي خافون دون سواي { وَلَهُ مَا فِي ٱلْسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي ملكاً وخلقاً وعبيداً { وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً } أي له الطاعة والانقياد واجباً ثابتاً فهو الإِله الحق ، وله الطاعة خالصة { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ } الهمزة للإِنكار والتوبيخ أي كيف تتقون وتخافون غيره ، ولا نفع ولا ضر إِلا بيده ؟ { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ } أي ما تفضَّل عليكم أيها الناس من رزقٍ ونعمةٍ وعافيةٍ ونصر فمن فضلِ الله وإِحسانه { ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } أي ثم إِذا أصابكم الضُّرُ من فقرٍ ومرضٍ وبأساء فإِليه وحده ترفعون أصواتكم بالدعاء ، والغرض أنكم تلجأون إِليه وحده ساعة العسرة والضيق ، ولا تتوجهون إِلا إِليه دون الشركاء { ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } أي إِذا رفع عنكم البلاء رجع فريق منكم إِلى الإِشراك بالله قال القرطبي : ومعنى الكلام التعجيبُ من الإِشراك بعد النجاة من الهلاك { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ } أي ليجحدوا نعمته تعالى من كشف الضر والبلاء { فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } أي تمتعوا بدار الفناء فسوف تعلمون عاقبة أمركم وما ينزل بكم من العذاب ، وهو أمرٌ للتهديد والوعيد { وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ } أي يجعلون للأصنام التي لا يعلمون ربوبيتها ببرهان ولا بحجة نصيباً من الزرع والأنعام تقرباً إِليها { تَٱللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ } أي والله أيها المشركون لتُسألنَّ عما كنتم تختلقونه من الكذب على الله ، والمراد سؤال توبيخٍ وتقريع { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ } أي ومن جهل هؤلاء المشركين وسفاهتهم أن جعلوا الملائكة بنات الله ، فنسبوا إِلى الله البنات وجعلوا لهم البنين { سُبْحَانَهُ } أي تنزَّه الله وتعظَّم عن هذا الإِفك والبهتان { وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ } أي ويجعلون لأنفسهم ما يشتهون من البنين مع كراهتهم أنهم يأنفون من البنات { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ } أي إِذا أُخبر أحدهم بولادة بنت { ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً } أي صار وجهه متغيراً من الغم والحزن قال القرطبي : وهو كناية عن الغم والحزن وليس يريد السواد ، والعربُ تقول لكل من لقي مكروهاً قد اسودَّ وجهه { وَهُوَ كَظِيمٌ } أي مملوءٌ غيظاً وغماً { يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوۤءِ مَا بُشِّرَ بِهِ } أي يختفي من قومه خوفاً من العار الذي يلحقه بسبب البنت ، كأنها بليَّة وليست هبةً إِلهية ، ثم يفكر فيما يصنع { أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي ٱلتُّرَابِ } أي أيمسك هذه الأنثى على ذلٍ وهوان أم يدفنها في التراب حية ؟ { أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } أي ساء صنيعهم وساء حكمهم ، حيث نسبوا لخالقهم البنات - وهي عندهم بتلك الدرجة من الذل والحقارة - وأضافوا البنين إِليهم ، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً { لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوْءِ } أي لهؤلاء الذين لم يصدّقوا بالآخرة ونسبوا للهِ البنات سفهاً وجهلاً ، صفةُ السوء القبيحة التي هي كالمثل في القبح ، فالنقصُ إنما ينسب إِليهم لا إِلى الله { وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ } أي له جل وعلا الوصف العالي الشأن ، والكمال المطلق ، والتنزه عن صفات المخلوقين { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي العزيزُ في ملكه ، الحكيمُ في تدبيره ثم أخبر تعالى عن حلمه بالعباد مع ظلمهم فقال { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ } أي لو يؤاخذهم بكفرهم ومعاصيهم ويعاجلهم بالعقوبة { مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ } أي ما ترك على الأرض أحداً يدبُّ على ظهرها من إِنسانٍ وحيوان { وَلٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ } أي ولكنْ يؤخرهم إِلى وقتٍ معيَّن تقتضيه الحكمة { فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } أي فإِذا جاء الوقت المحدَّد لهلاكهم لا يتأخرون برهةً يسيرةً من الزمن ولا يتقدمون عليها كقوله { وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً } [ الكهف : 59 ] { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ } أي يجعلون له تعالى البنات مع كراهتهم لهنَّ ، وهو تأكيد لما سبق للتقريع والتوبيخ { وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ } أي يجعلون لله ما يجعلون ومع ذلك يزعمون أنَّ لهم العاقبة الحسنى عند الله وأنهم أهل الجنة { لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْنَّارَ } أي حقاً إِنَّ لهم مكان ما أملّوا نار جهنم التي ليس وراء عذابها عذاب { وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ } أي معجَّلون إِليها ومُقدَّمون ، ثم ذكر تعالى نعمته في إِرسال الرسل ليتأسى صلوات الله عليه بهم في الصبر على تحمل الأذى فقال { تَٱللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } أي والله لقد بعثنا قبلك يا محمد رسلاً إِلى أقوامهم فحسَّن الشيطان أعمالهم القبيحة حتى كذبوا الرسل وردّوا عليهم ما جاءوهم به من البينات { فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلْيَوْمَ } أي فالشيطان ناصرهم اليوم في الدنيا وبئس الناصر { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي ولهم في الآخرة عذاب مؤلم { وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } أي ما أنزلنا عليك القرآن يا محمد إلا لتبيِّن للناس ما اختلفوا فيه من الدين والأحكام لتقوم الحجة عليهم { وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي وأنزلنا القرآن هدايةً للقلوب ، ورحمة وشفاءً لمن آمن به ، ثم ذكر تعالى عظيم قدرته الدالة على وحدانيته فقال { وَٱللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ } أي أنزل بقدرته الماء من السحاب فأحيا بذلك الماء النبات والزرع بعد جدب الأرض ويُبسها { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } أي إِن في هذا الإِحياء لدلالةً باهرة على عظيم قدرته لقوم يسمعون التذكير فيتدبرونه ويعقلونه { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً } أي وإِنَّ لكم أيها الناس في هذه الأنعام " الإِبل والبقر والضأن والمعز " لعظةً وعبرة يعتبر بها العقلاء ، ففي خلقها وتسخيرها دلالة على قدرة الله وعظمته ووحدانيته { نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ } أي نسقيكم من بعض الذي في بطون هذه الأنعام { مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً } أي من بين الروث والدم ذلك الحليب الخالص واللبن النافع { سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } أي سهل المرور في حلقهم ، لذيذاً هيناً لا يغصُّ به من شربه { وَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً } أي ولكم مما أنعم الله به عليكم من ثمرات النخيل والأعناب ما تجعلون منه خمراً يسكر قال الطبري : وإِنما نزلت هذه الآية قبل تحريم الخمر ثم حُرِّمتْ بعد { وَرِزْقاً حَسَناً } كالتمر والزبيب قال ابن عباس : الرزق الحسن : ما أُحلَّ من ثمرتها ، والسَّكر : ما حُرِّم من ثمرتها . { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أي لآيةً باهرة ، ودلالة قاهرة على وحدانيته سبحانه لقومٍ يتدبرون بعقولهم قال ابن كثير : وناسب ذكرُ العقل هنا لأنه أشرفُ ما في الإِنسان ، ولهذا حرَّم الله على هذه الأمة الأشربة المسكرة صيانةً لعقولها ، ولما ذكر تعالى ما يدل على باهر قدرته ، وعظيم حكمته من إِخراج اللبن من بين فرثٍ ودمٍ وإِخراج الرزق الحسن من ثمرات النخيل والأعناب ، ذكر إِخراج العسل الذي جعله شفاءً للناس من النحل ، وهي حشرةٌ ضعيفة وفيها عجائب بديعة وأمور غريبة ، وكل هذا يدل على وحدانية الصانع وقدرته وعظمته فقال تعالى { وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } المراد من الوحي : الإِلهامُ والهدايةُ أي ألهمها مصالحها وأرشدها إِلى بناء بيوتها المسدَّسة العجيبة تأوي إِليها في ثلاثة أمكنة : الجبال ، والشجر ، والأكوار التي يبنيها الناس { ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } أي كلي من كل الأزهار والثمار التي تشتهينها من الحلو ، والمر ، والحامض ، فإِن الله بقدرته يحيلها إِلى عسلٍ { فَٱسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً } أي أدخلي الطرق في طلب المرعى حال كونها مسخرةً لك لا تضلين في الذهاب أو الإِياب { يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ } أي يخرج من بطون النحل عسلٌ متنوعٌ منه أحمر ، وأبيض ، وأصفر ، فيه شفاءٌ للناس من كثيرٍ من الأمراض قال الرازي فإن قالوا : كيف يكون شفاءٌ للناس وهو يضر بالصفراء ؟ فالجواب أنه تعالى لم يقل : إِنه شفاءٌ لكل الناس ، ولكل داء ، وفي كل حال ، بل لّما كان شفاء للبعض ومن بعض الأدواء صلح بأن يوصف بأنَّ فيه شفاء { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } أي لعبرة لقومٍ يتفكرون في عظيم قدرة الله ، وبديع صنعه { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ } أي خلقكم بقدرته بعد أن لم تكونوا شيئاً ثم يتوفاكم عند انقضاء آجالكم { وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ } أي يُردُّ إِلى أردء وأضعف العمر وهو الهَرم والخرف { لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً } أي لينسى ما يعلم فيشبه الطفل في نقصان القوة والعقل { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } أي عليمٌ بتدبير خلقه ، قديرٌ على ما يريده ، فكما قدر على نقل الإِنسان من العلم إِلى الجهل ، فإِنه قادر على إِحيائه بعد إِماتته قال عكرمة : من قرأ القرآن لم يُردَّ إلى أرذل العمر { وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلْرِّزْقِ } أي فاوت بينكم في الأرزاق فهذا غنيٌّ وذاك فقير ، وهذا مالكٌ وذاك مملوك { فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ } أي ليس هؤلاء الأغنياء بمشركين لعبيدهم المماليك فيما رزقهم الله من الأموال حتى يستووا في ذلك مع عبيدهم ، وهذا مثلٌ ضربه الله تعالى للمشركين قال ابن عباس : لم يكونوا ليشركوا عبيدهم في أموالهم ونسائهم ، فكيف يشركون عبيدي معي في سلطاني ؟ { أَفَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } الاستفهام للإِنكار أي أيشركون معه غيره وهو المنعم المتفضل عليهم ؟ { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } أي هو تعالى بقدرته خلق النساء من جنسكم وشكلكم ليحصل الائتلاف والمودة والرحمة بينكم { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً } أي جعل لكم من هؤلاء الزوجات الأولاد وأولاد الأولاد ، سمّوا حفدة لأنهم يخدمون أجدادهم ويسارعون في طاعتهم { وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } أي رزقكم من أنواع اللذائذ من الثمار والحبوب والحيوان { أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } أي أبعد تحقق ما ذُكر من نعم الله يؤمنون بالأوثان ويكفرون بالرحمن ؟ وهو استفهام للتوبيخ والتقريع { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ شَيْئاً } أي ويعبد هؤلاء المشركون أوثاناً لا تقدر على إِنزال مطر ، ولا على إِخراج زرعٍ أو شجر ، ولا تقدر أن ترزقهم قليلاً أو كثيراً { وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } أي ليس لها ذلك ولا تقدر عليه لو أرادت { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ } أي لا تمثّلوا لله الأمثال ، ولا تشبّهوا له الأشباه ، فإنه تعالى لا مثل له ولا نظير ولا شبيه { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } أي يعلم كل الحقائق ، وأنتم لا تعلمون قدر عظمة الخالق . البَلاَغَة : تضمنت الآيات الكريمة من صنوف البيان والبديع ما يلي : 1 - الالتفات من التكلم إلى الغيبة من الغيبة إلى المتكلم { فَإيَّايَ فَٱرْهَبُونِ } لتربية المهابة والرهبة في القلوب مع إفادة القصر أي لا تخافوا غيري . 2 - الطباق في { يَسْتَقْدِمُونَ … يَسْتَأْخِرُونَ } وفي { فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ } وفي { يُؤْمِنُونَ … ويَكْفُرُونَ } . 3 - الجناس الناقص بين { كُلِي مِن كُلِّ } . 4 - الاعتراض { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ } - سبحانه - { وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ } فلفظة ( سبحانه ) معترضة لتعجيب الخلق من هذا الجهل القبيح . 5 - صيغة المبالغة في { ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } و { عَلِيمٌ قَدِيرٌ } . 6 - السجع { يَعْقِلُونَ ، يَعْرِشُونَ ، يَجْحَدُونَ ، يَكْفُرُونَ } . 7 - التهديد والوعيد { فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } . 8 - قوله تعالى { وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ } قال الشهاب : هذا من بليغ الكلام وبديعه أي ألسنتهم كاذبة كقولهم { عينُها تصفُ السحر } أي ساحرة ، وقدُّها يصف الهيف أي هيفاء .