Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 20-44)
Tafsir: Ṣawfat at-tafāsīr: tafsīr li-l-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المنَاسَبَة : لا تزال الآيات تتحدث عن " سليمان بن داود " الذي جمع الله له بين " النبوة والمُلْك " فكان نبياً ملكاً ، وسخر له الإِنس والجن وعلمه منطق الطير ، وتذكر الآيات هنا قصته مع " بلقيس " ملكة سبأ وما كان من الأمور العجيبة التي حدثت في زمانه . اللغَة : { تَفَقَّدَ } التفقد : طلب ما غاب عن الإِنسان { ٱلْخَبْءَ } : الشيءُ المخبوء من خبأتُ الشيء أخبؤه خبأَ إذا سترته { صَاغِرُونَ } أذلاء مهانون من الصَّغار وهو الذل { عِفْرِيتٌ } العفريب : القويُ المارد من الشياطين ومن الإِنس ، والخبيث الماكر { ٱلصَّرْحَ } القصر ، وكلُّ بناءٍ عال مرتفع يسمى صرحاً ومنه قول فرعون " يا هامان ابن لي صَرْحاً " { مُّمَرَّدٌ } الممرَّد : المملَّس ، والأمرد الذي لم تخرج لحيته بعد إداركه ، وشجرةٌ مرداء : لا ورقَ عليها { قَوارِيرَ } جمع قارورة وهي الزجاجة . التفسِير : { وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ } أي بحث سليمان وفتش عن جماعة الطير { فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ } أي لم لا أرى الهُدهد هٰهنا ؟ قال المفسرون : كانت الطير تصحبه في سفره وتظله بأجنحتها ، فلما فصل سليمان عن وادي النمل ونزل في قفرٍ من الأرض عطش الجيش فسألوه الماء ، وكان الهدهد يدله ، على الماء فإِذا قال : هٰهنا الماء شقت الشياطين وفجَّرت العيون ، فطلبه في ذلك اليوم فلم يجده فقال مالي لا أراه { أَمْ كَانَ مِنَ ٱلْغَآئِبِينَ } أمْ منقطعة بمعنى " بل " أي بل هو غائب ، ذهب دون إذنٍ مني { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } أي لأعاقبنه عقاباً أليماً بالسجن أو نتف الريش أو الذبح أو ليأتيني بحجة واضحة تبيّن عذره { فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ } أي فأقام الهدهد زماناً يسيراً ثم جاء إلى سليمان { فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ } أي اطلعت على ما لم تطّلع عليه وعرفت ما لم تعرفه { وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } أي وأتيتك من مدينة سبأ - باليمن - بخبرٍ هامٍ ، وأمر صادقٍ خطير { إِنِّي وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ } أي من عجائب ما رأيت أن امرأة - تسمى بلقيس - هي ملكة لهم ، وهم يدينون بالطاعة لها { وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ } أي وأُعطيت من كل شيء من الأشياء التي يحتاج إليها الملوك من أسباب الدنيا من سعة المال وكثرة الرجال ووفرة السلاح والعتاد { وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } أي ولها سرير كبير مكلَّل بالدر والياقوت قال قتادة : كان عرشُها من ذهب ، قوائمُه من جوهر ، مكلَّل باللؤلؤ قال الطبري : وعنى بالعظيم في هذا الموضع العظيم في قدره وخطره ، لا عِظمه في الكبر والسعة ، ولهذا قال ابن عباس : { عَرْشٌ عَظِيمٌ } أي سرير كريم حسن الصنعة ، وعرشُها سريرٌ من ذهب قوائمُه من جوهرٍ ولؤلؤ ، ثم أخذ يحدثه عما هو أعظم وأخطر فقال { وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي وجدتهم جميعاً مجوساً يعبدون الشمس ويتركون عبادة الواحد الأحد { وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } أي حسَّن لهم إبليس عبادتهم الشمس وسجودهم لها من دون الله { فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } أي منعهم بسبب هذا الضلال عن طريق الحق والصواب { فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ } أي فهم بسبب إغواء الشيطان لا يهتدون إلى الله وتوحيده ، ثم قال الهدهد متعجباً { أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ ٱلَّذِي يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي أيسجدون للشمس ولا يسجدون للّهِ الخالق العظيم ، الذي يعلم الخفايا ويعلم كل مخبوء في العالم العلوي والسفلي ؟ قال ابن عباس : يعلم كل خبيئةٍ في السماء والأرض { وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } أي ويعلم السرَّ والعلن ، ما ظهر وما بطن { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } أي هو تعالى المتفرد بالعظمة والجلال ، ربُّ العرش الكريم المستحق للعبادة والسجود ، وخصَّ العرش بالذكر لأنه أعظم المخلوقات ، وإِلى هنا انتهى كلام الهُدهد { قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } أي قال سليمان : سننظر في قولك ونتثبت هل أنت صادقٌ أم كاذب فيه ؟ قال ابن الجوزي : وإِنما شكَّ في خبره لأنه أنكر أن يكون لغيره سلطان ، ثم كتب كتاباً وختمه بخاتمه ودفعه إلى الهُدهد وقال { ٱذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ } أي اذهب بهذا الكتاب وأوصلْه إلى ملكة سبأ وجندها { ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ } أي تنحَّ إلى مكان قريب مستتراً عنهم { فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } أي فانظر ماذا يردون من الجواب ؟ قال المفسرون : أخذ الهدهد الكتاب وذهب إلى بلقيس وقومها ، فرفرف فوق رأسها ثم ألقى الكتاب في حجرها { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } أي قالت لأشراف قومها إنه أتاني كتاب عظيم جليل { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } أي إن هذا الكتاب مرسل من سليمان ثم فتحته فإِذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم وهو استفتاح شريفٌ بارع فيه إعلان الربوبية للّه ثم الدعوة إلى توحيد الله والانقياد لأمره { أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } أي لا تتكبروا عليَّ كما يفعل الملوك وجيئوني مؤمنين قال ابن عباس : أي موحدين ، وقال سفيان : طائعين { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِيۤ أَمْرِي } أي أشيروا عليَّ في الأمر { مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ } أي ما كنتُ لأقضي أمراً بدون حضوركم ومشورتكم { قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ } أي نحن أصحابُ كثرةٍ في الرجال والعتاد ، وأصحابُ شدةٍ في الحرب { وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ } ؟ أي وأمرنا إليكِ فمرينا بما شئتِ نمتثل أمرك ، وقولهم هذا دليلٌ على الطاعة المفرطة قال القرطبي : أخذتْ في حسن الأدب مع قومها ومشاورتهم في أمرها في كل ما يعرض لها ، فراجعها الملأ بما يُقر عينها من إعلامهم إياها بالقوة والبأس ، ثم سلّموا الأمر إلى نظرها ، وهذه محاورة حسنة من الجميع قال الحسن البصري : فوَّضوا أمرهم إلى عِلجةٍ يضطرب ثدياها ، فلما قالوا لها ما قالوا كانت هي أحزم منهم رأياً وأعلم { قَالَتْ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا } أي إن عادة الملوك أنهم إذا استولوا على بلدةٍ عنوةً وقهراً خربوها { وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً } أي أهانوا أشرافها وأذلوهم بالقتل والأسر والتشريد { وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } أي وهذه عادتهم وطريقتهم في كل بلدٍ يدخلونها قهراً ، ثم عدلت إلى المهادنة والمسالمة فقالت { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ } أي وإِني سأبعث إليه بهدية عظيمة تليقُ بمثله ، فأنظر هل يقبلها أم يردُّها ؟ قال قتادة : ما كان أعقلها في إسلامها وشركها ! ! علمتْ أن الهدية تقع موقعاً من الناس ، وقال ابن عباس : قالت لقومها إن قبِلَ الهدية فهو ملك يريد الدنيا فقاتلوه ، وإِن لم يقبلها فهو نبيٌ صادق فاتبعوه { فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ } ؟ أي فلما جاء رسل بلقيس إلى سليمان بالهدية العظيمة قال منكراً عليهم : أتصانعونني بالمال والهدايا لأترككم على كفركم وملككم ؟ { فَمَآ آتَانِيَ ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ } أي فما أعطاني الله من النبوة والمُلك الواسع خيرٌ مما أعطاكم من زينة الحياة فلا حاجة لي بهديتكم { بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } أي أنتم تفرحون بالهدايا لأنكم أهل مفاخرةٍ ومكاثرة في الدنيا ، ثم قال لرئيس الوفد { ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا } أي ارجع إليهم بهديتهم فواللهِ لنأتينَّهم بجنودٍ لا طاقة لهم بمقابلتها ، ولا قدرة لهم على مقاتلتها { وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ } أي ولنخرجنهم من أرضهم ومملكتهم أذلاء حقيرين إن لم يأتوني مسلمين قال ابن عباس : لما رجعت رسلُ بلقيس إليها من عند سليمان وأخبروها الخبر قالت قد عرفت ما هذا بملك ، وما لنا به طاقة ، وبعثت إلى سليمان إني قادمة إليك بملوك قومي حتى أنظر ما أمرك ، وما تدعو إليه من دينك ثم ارتحلْت إلى سليمان في اثني عشر ألف قائد { قَالَ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } ؟ أي قال سليمان لأشراف من حضره من جنده : أيكم يأتيني بسريرها المرصَّع بالجواهر قبل أن تصل إليَّ مع قومها مسلمين ؟ قال البيضاوي : أراد بذلك أن يريها بعض ما خصه الله به من العجائب ، الدالة على عظيم القدرة ، وصدقه في دعوى النبوة ، ويختبر عقلها بأن ينكّر عرشها فينظر أتعرفه أم تنكره ؟ { قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ } أي قال ماردٌ من مردة الجنِّ : أنا أحضره إليك قبل أن تقوم من مجلس الحكم - وكان يجلس من الصبح إلى الظهر في كل يوم - وغرضُه أنه يأتيه به في أقل من نصف نهار { وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } أي وإِني على حمله لقادرٌ ، وأمينٌ على ما فيه من الجواهر والدُّر وغير ذلك { قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } قال المفسرون : هو " آصف بن برخيا " كان من الصِّدقين يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب ، وهو الذي أتى بعرش بلقيس وقال لسليمان : أنا آتيك به قبل أن يرتدَّ إليك طرفك أي آتيك به بلمح البصر فدعا الله فحضر العرشُ حالاً { فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي } أي فلما نظر سليمان ورأى العرش - السرير - حاضراً لديه قال : هذا من فضل الله عليَّ ، وإِحسانه إليَّ { لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ } ؟ أي ليختبرني أأشكر إنعامه ، أم أجحد فضله وإِحسانه ؟ { وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } أي ومن شكر فمنفعة الشكر لنفسه ، لأنه يستزيد من فضل الله { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } [ إبراهيم : 7 ] { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } أي ومن لم يشكر وجحد فضل الله فإِن الله مستغنٍ عنه وعن شكره ، كريمٌ بالإِنعام على من كفر نعمته … ولما قرُب وصولُ ملكة سبأ إلى بلاده أمر بأن تُغيَّر بعضُ معالم عرشها امتحاناً لها { قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا } أي غيّروا بعض أوصافه وهيئته كما يتنكر الإِنسان حتى لا يُعرف { نَنظُرْ أَتَهْتَدِيۤ أَمْ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ } أي لننظر إذا رأته هل تهتدي إلى أنه عرشها وتعرفه أم لا ؟ أراد بذلك اختبار ذكائها وعقلها { فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ } ؟ أي أمثل هذا العرش الذي رأيتيه عرشك ؟ ولم يقل : أهذا عرشك ؟ لئلا يكون تلقيناً لها { قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ } أي يشبهه ويقاربه ولم تقل : نعم هو ، ولا ليس هو قال ابن كثير : وهذا غاية في الذكاء والحزم { وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ } هذا من قول سليمان أي قال سليمان تحدثاً بنعمة الله : لقد أوتينا العلم من قبل هذه المرأة بالله وبقدرته وكنا مسلمين لله من قبلها ، فنحن أسبقُ منها علماً وإِسلاماً { وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي منعها عن الإِيمان بالله عبادتُها القديمة للشمس والقمر { إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ } أي بسبب كفرها ونشوئها بين قوم مشركين { قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِي ٱلصَّرْحَ } أي ادخلي القصر العظيم الفخم { فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا } أي فلما رأت ذلك الصرح الشامخ ظنته لجة ماء - أي ماءً غمراً كثيراً - وكشفت عن ساقيها لتخوض فيه { قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ } أي قال سليمان : إنه قصر مملَّس من الزجاج الصافي { قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي } أي قالت بلقيس حينئذٍ : ربّ إني ظلمت نفسي بالشرك وعبادة الشمس { وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي وتابعتُ سليمان على دينة فدخلت في الإِسلام مؤمنةً برب العالمين ، قال ابن كثير : والغرضُ أن سليمان عليه السلام اتخذ قصراً عظيماً منيفاً من زجاج لهذه الملكة ، ليريها عظمة سلطانه وتمكنه ، فلما رأت ما آتاه الله وجلالة ما هو فيه وتبصرت في أمره ، انقادت لأمر الله تعالى وعرفت أنه نبيٌ كريم ، وملِكٌ عظيم ، وأسلمت لله عز وجل . البَلاَغَة : تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي : 1 - أسلوب التعجب { مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ } ؟ 2 - التأكيد المكرر { لأُعَذِّبَنَّهُ … أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ … أَوْ لَيَأْتِيَنِّي } لتأكيد الأمر . 3 - طباق السلب { أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ } وكذلك { تَهْتَدِيۤ … لاَ يَهْتَدُونَ } . 4 - الجناس اللطيف { وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ } ويسمى الجناس الناقص لتبدل بعض الحروف . 5 - الطباق في اللفظ { تُخْفُونَ … وتُعْلِنُونَ } وكذلك { أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ } . 6 - الطباق في المعنى { أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } . قال علماء البيان : والمطابقة هنا بالمعنى أبلغ من اللفظ لأنه عدول عن الفعل إلى الإِسم فيفيد الثبات فلو قال " أصدقت أم كذبت " لما أدَّى هذا المعنى لأنه قد يكذب في هذا الأمر ولا يكذب في غيره ، وأما قوله { أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } فإِنه يفيد أنه إذا كان معروفاً بالانخراط في سلك الكاذبين كان كاذباً لا محالة فلا يوثق به أبداً . 7 - جناس الاشتقاق { أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ } وكذلك { أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ } . 8 - التشبيه { كَأَنَّهُ هُوَ } أي كأنه عرشي في الشكل والوصف ويسمى " مرسلاً مجملاً " . 9 - الاستعارة البديعة { قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } شبَّه سرعة مجيئه بالعرش برجوع الطرف للإِنسان ، وارتدادُ الطرف معناه التقاء الجفنين وهو أبلغ ما يمكن أن يوصف به في السرعْة ومثله " وما أمرُ الساعةِ إلا كلمح البصر أو هو أقرب " فاستعار للسرعة الفائقة ارتداد الطرف . 10 - توافق الفواصل في كثير من الآيات ، ولها وقعٌ في النفس رائع مثل { أَمْ كَانَ مِنَ ٱلْغَآئِبِينَ } { أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } { وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } إلى آخر ما هنالك . لطيفَة : أخذ بعض العلماء من قوله تعالى { وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ } استحباب تفقد الملك لأحوال الرعية ، وكذلك تفقد الأصدقاء ، والإِخوان ، والخلان وأنشد بعضهم :