Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 1, Ayat: 5-5)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

العبادةُ في اللغة : مأخوذة من الذلة ، يقال : طريقٌ معبّد ، وبعيرٌ معبَّد أي مذلّل . وفي الشرع : هي ما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف ، وقدّم المفعول وكرّر للإهتمام والحصر ، أي لا نعبد إلا إياك ولا نتوكل إلا عليك ، وهذا هو كمال الطاعة ، والدين يرجع كله إلى هذين المعنيين ، فالأول تبرؤ من الشرك ، والثاني تبرءٌ من الحول والقوة والتفويض إلى الله عزّ وجلّ ، وهذا المعنى في غير آيةٍ من القرآن : { فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } [ هود : 123 ] { قُلْ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا } [ الملك : 29 ] . وتحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة ، لأنه لما أثنى على الله فكأنه اقترب وحضر بين يدي الله تعالى فلهذا قال : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } بكاف الخطاب ، وفي هذا دليلٌ على أن أول السورة خبرٌ من الله تعالى بالثناء على نفسه بجميل صفاته الحسنى ، وإرشادٌ لعباده بأن يثنوا عليه بذلك . وإنما قدّم { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } على { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } لإن العبادة له هي المقصودة ، والاستعانة وسيلة إليها ، والأصل أن يقدم ما هو الأهم فالأهم ، فإن قيل : فما معنى النون في { نَعْبُدُ } و { نَسْتَعِينُ } فإن كانت للجمع فالداعي واحد ، وإن كانت للتعظيم فلا يناسب هذا المقام ؟ وقد أجيب : بأن المراد من ذلك الإخبار عن جنس العباد ، والمصلي فردٌ منهم ولا سيما إن كان في جماعة أو إمامهم ، فأخبر عن نفسه وعن إخوانه المؤمنين بالعبادة التي خُلقوا لأجلها وتوسَّط لهم بخير ، و { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } ألطفُ في التواضع من ( إيَّاك عبدنا ) ، لما في الثاني من تعظيم نفسه من جعل نفسه وحده أهلاً لعبادة الله تعالى الذي لا يستطيع أحد أن يعبده حق عبادته ، ولا يثني عليه كما يليق به ، والعبادة مقام عظيم يَشْرُف به العبد لانتسابه إلى جناب الله تعالى كما قال بعضهم : @ لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي @@ وقد سمّى رسوله صلى الله عليه وسلم بعبده في أشرف مقاماته فقال : { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَابَ } [ الكهف : 1 ] ، وقال : { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ يَدْعُوهُ } [ الجن : 19 ] ، وقال : { سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً } [ الإسراء : 1 ] فسماه عبداً عند إنزاله عليه ، وعند قيامه للدعوة ، وإسرائه به .