Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 85-85)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

عن عبد الله هو ابن مسعود رضي الله عنه ، قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرث في المدينة وهو متوكئ على عسيب ، فمر بقوم من اليهود ، فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح ، وقال بعضهم : لا تسألوه ، قال : فسألوه عن الروح ، فقالوا : يا محمد ما الروح ؟ فما زال متوكئاً على العسيب ، قال : فظننت أنه يوحى إليه ، فقال : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } قال ، فقال بعضهم لبعض : قد قلنا لكم لا تسألوه . وهذا السياق يقتضي أن هذه الآية مدنية ، وأنها نزلت حين سأله اليهود عن ذلك بالمدينة ، مع أن السورة كلها مكية . وقد يجاب عن هذا بأنه قد تكون نزلت عليه بالمدينة مرة ثانية ، كما نزلت عليه بمكة قبل ذلك ، أو أنه نزل عليه الوحي بأنه يجيبهم عما سألوه بالآية المتقدم إنزالها عليه ، وهي هذه الآية { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ } ، ومما يدل على نزول هذه الآية بمكة ، ما قال الإمام أحمد ، عن ابن عباس قال : قالت قريش ليهود : أعطونا شيئاً نسأل عنه هذا الرجل ، فقالوا سلوه عن الروح ، فسألوه فنزلت : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } قالوا : أوتينا علماً كثيراً ، أوتينا التوراة ، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيراً كثيراً ، قال ، وأنزل الله : { قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ } [ الكهف : 109 ] الآية . وقد روى ابن جرير عن عكرمة قال : سأل أهل الكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح ، فأنزل الله { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ } الآية ، فقالوا : تزعم أنا لم نؤت من العلم إلاّ قليلاً وقد أوتينا التوراة وهي الحكمة { وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً } [ البقرة : 269 ] . قال : فنزلت : { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ ٱللَّهِ } [ لقمان : 27 ] الآية . وقال محمد بن إسحاق ، عن عطاء بن يسار قال : نزلت بمكة { وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } ، " فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، أتاه أحبار يهود ، وقالوا : يا محمد ! ألم يبلغنا عنك أنك تقول { وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } أفعنيتنا أم عنيت قومك ؟ فقال : " كلاً قد عنيت " ، فقالوا : إنك تتلوا أنا أوتينا التوراة ، وفيها تبيان كل شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هي في علم الله قليل وقد أتاكم الله ما إن عملتم به انتفعتم " وأنزل الله : { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ لقمان : 27 ] ، وقد اختلف المفسرون في المراد بالروح هٰهنا على أقوال : ( أحدها ) أن المراد أرواح بني آدم ، " عن ابن عباس أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن الروح وكيف تعذب الروح التي في الجسد ؟ ولم يكن نزل عليه فيه شيء ، فأتاه جبريل فقال له : { قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } . فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك . فقالوا : من جاءك بهذا ؟ قال : " جاءني به جبريل من عند الله " ، فقالوا له : والله ما قاله لك إلاّ عدونا " ، فأنزل الله : { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } [ البقرة : 97 ] ، وقيل : المراد بالروح هٰهنا جبريل ، قاله قتادة ، وقيل : المراد به هٰهنا ، ملك عظيم بقدر المخلوقات كلها . وقوله تعالى : { قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } : أي من شأنه ، ومما استأثر بعلمه دونكم ، ولهذا قال : { وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } أي وما أطلعكم من علمه إلاّ على القليل ، فإنه لا يحيط أحد بشيء من علمه إلاّ بما شاء تبارك وتعالى ، والمعنى أن علمكم في علم الله قليل ، وهذا الذي تسألون عنه من أمر الروح مما استأثر به تعالى ولم يطلعكم عليه ، كما أنه لم يطلعكم إلاّ على القليل من علمه تعالى . وسيأتي إن شاء الله في قصة موسى والخضر ، أن الخضر قال : يا موسى ما علمي وعلمك وعلم الخلائق في علم الله إلاّ كما أخذ هذا العصفور من هذا البحر ، ولهذا قال تعالى : { وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } . وقال السهيلي : قال بعض الناس : لم يجبهم عما سألوا لأنهم سألوا على وجه التعنت ، وقيل أجابهم ، ثم ذكر السهيلي : الخلاف بين العلماء في أن الروح هي النفس أو غيرها ، وقرر : أنها ذات لطيفة كالهواء سارية في الجسد كسريان الماء في عروق الشجر ، وحاصل القول : أن الروح هي أصل النفس ومادتها ، والنفس مركبة منها ومن اتصالها بالبدن ، فهي هي من وجه ، لا من كل وجه ، وهذا معنى حسن والله أعلم .