Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 13-16)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
من هٰهنا شرع في بسط القصة وشرحها ، فذكر تعالى أنهم فتية وهم الشباب ، وهم أقبل للحق وأهدى للسبيل من الشيوخ الذين قد عتوا وانغمسوا في دين الباطل ، ولهذا كان أكثر المستجيبين لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم شباباً ، وأما المشايخ من قريش فعامتهم بقوا على دينهم ولم يسلم منهم إلاّ القليل ، وهكذا أخبر تعالى عن أصحاب الكهف أنهم كانوا فتية شباباً . وقال مجاهد : بلغني أنه كان في آذان بعضهم القرطة ، يعني الحلق ، فألهمهم الله رشدهم ، وآتاهم تقواهم فآمنوا بربهم ، أي اعترفوا له بالوحدانية وشهدوا أنه لا إلٰه إلاّ هو ، { وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } استدل بهذه الآية وأمثالها على زيادة الإيمان وتفاضله ، وأنه يزيد وينقص ، ولهذا قال تعالى : { وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } ، كما قال : { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } [ محمد : 17 ] ، وقد ذكر أنهم كانوا على دين المسيح عيسى ابن مريم ، والله أعلم . وقوله تعالى : { وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } يقول تعالى : وصبرناهم على مخالفة قومهم ، ومفارقة ما كانوا فيه من العيش الرغيد والسعادة والنعمة ، فإنه قد ذكر غير واحد من المفسرين من السلف والخلف أنهم كانوا من أبناء ملوك الروم وسادتهم ، وأنهم خرجوا يوماً في بعض أعياد قومهم ، وكان لهم مجتمع في السنة يجتمعون في ظاهر البلد ، وكانوا يعبدون الأصنام والطواغيت ويذبحون لها ، وكان لها ملك جبار عنيد يقال له ( دقيانوس ) وكان يأمر الناس بذلك ويحثهم عليه ويدعوهم إليه ، فلما خرج الناس لمجتمعهم ذلك وخرج هؤلاء الفتية مع آبائهم وقومهم ، ونظروا إلى ما يصنع قومهم بعين بصيرتهم ، عرفوا أن هذا الذي يصنه قومهم من السجود لأصنامهم والذبح لها لا ينبغي إلاّ لله الذي خلق السماوات والأرض ، فجعل كل واحد منهم يتخلص من قومه وينحاز عنهم ، واتخذوا لهم معبداً يعبدون الله فيه ، فعرف بهم قومهم فوشوا بأمرهم إلى ملكهم ، فاستحضرهم بين يديه فسألهم عن أمرهم وما هم عليه ، فأجابوه بالحق ودعوه إلى الله عزَّ وجلَّ ، ولهذا أخبر تعالى عنهم بقوله : { وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً } و " لن " لنفي التأبيد : أي لا يقع منا هذا أبداً لأنا لو فعلنا ذلك لكان باطلاً ، ولهذا قال عنهم : { لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً } أي باطلاً وكذباً وبهتاناً ، { هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ } أي هلا أقاموا على صحة ما ذهبوا إليه دليلاً واضحاً صحيحاً ، { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } ، يقولون : بل هم ظالمون كاذبون في قولهم ذلك ، فيقال إن ملكهم تهددهم وتوعدهم وأمر بنزع لباسهم عنهم وأجّلهم لينظروا في أمرهم لعلهم يرجعون عن دينهم الذي كانوا عليه ، وكان هذا من لطف الله بهم فإنهم توصلوا إلى الهرب منه والفرار بدينهم من الفتنة ، وهذا هو المشروع عند وقوع الفتن في الناس أن يفر العبد منهم خوفاً على دينه كما جاء في الحديث : " يوشك أن يكون خير مال أحدكم غنماً يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن " ، ففي هذه الحال تشرع العزلة عن الناس ولا تشرع فيما عداها ، لما يفوت بها من ترك الجماعات والجمع ، فلما وقع عزمهم على الذهاب والهرب من قومهم ، واختار الله تعالى لهم ذلك وأخبر عنهم بذلك في قوله : { وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ } : أي وإذ فارقتموهم وخالفتموهم بأديانكم في عبادتهم غير الله ، ففارقوهم أيضاً بأبدانكم ، { فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ } : أي يبسط عليكم رحمة يستركم بها من قومكم { وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ } الذي أنتم فيه ، { مِّرْفَقاً } أي أمراً ترتفقون به ، فعند ذلك خرجوا هرباً إلى الكهف ، فأووا إليه ففقدهم قومهم من بين أظهرهم وتطلبهم الملك ، فيقال إنه لم يظفر بهم ، وعمّى الله عليه خبرهم كما فعل بنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصدّيق حين لجآ إلى ( غار ثور ) .