Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 278-281)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين بتقواه ، ناهياً لهم عما يقربهم إلى سخطه ويبعدهم عن رضاه ، { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي خافوه وراقبوه فيما تفعلون { وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَا } أي اتركوا ما لكم على الناس من الزيادة على رؤوس الأموال بعد هذا الإنذار ، { إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } أي بما شرع الله لكم من تحليل البيع وتحريم الربا وغير ذلك . وقد ذكروا أن هذا السياق نزل في ( بني عمرو بن عمير ) من ثقيف و ( بني المغيرة ) من بني مخزوم ، كان بينهم ربا في الجاهلية ، فلما جاء الإسلام ودخلوا فيه طلبت ثقيف أن تأخذه منهم ، فتشاوروا وقالت بنو المغيرة : لا نؤدي الربا في الإسلام بكسب الإسلام ، فكتب في ذلك ( عتاب بن أسيد ) نائب مكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية ، فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَا إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } فقالوا : نتوب إلى الله ، ونذر ما بقي من الربا فتركوه كلهم . وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد ، لمن استمر على تعاطي الربا بعد الإنذار ، قال ابن عباس : { فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ } أي استيقنوا بحرب من الله ورسوله ، وتقدم عن ابن عباس قال : يقال يوم القيامة لآكل الربا : خذ سلاحك للحرب ، ثم قرأ : { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } ، فمن كان مقيماً على الربا لا ينزع عنه كان حقاً على إمام المسلمين أن يستتيبه ، فإن نزع وإلا ضرب عنقه . وقال قتادة : أوعدهم الله بالقتل كما يسمعون وجعلهم بهرجاً أين ما أتوا ، فإياكم ومخالطة هذه البيوع من الربا ، فإن الله قد أوسع الحلال وأطابه ، فلا يلجئنكم إلى معصيته فاقة . ثم قال تعالى : { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ } أي بأخذ الزيادة { وَلاَ تُظْلَمُونَ } أي بوضع رؤوس الأموال أيضاً بل لكم ما بذلتم من غير زيادة عليه ولا نقص منه ، خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال : " ألا إن كل ربا كان في الجاهلية موضوع عنكم كله ، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ، وأول ربا موضوع ربا العباس بن عبد المطلب موضوع كله " . وقوله تعالى : { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } ، يأمر تعالى بالصبر على المعسر الذي لا يجد وفاء ، فقال : { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ } لا كما كان أهل الجاهلية يقول أحدهم لمدينه إذا حل عليه الدين : إما أن تقضي وإما أن تربي ، ثم يندب إلى الوضع عنه ويعد على ذلك الخير والثواب الجزيل ، فقال : { وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أي وأن تتركوا رأس المال بالكلية وتضعوه عن المدين . وقد وردت الأحاديث من طرق متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك . فالحديث الأول : عن أبي أمامة أسعد بن زرارة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سرّه أن يظله الله يوم لا ظل إلا ظله فلييسر على معسر أو ليضع عنه " حديث آخر : عن محمد بن كعب القرظي أن أبا قتادة كان له دين على رجل ، وكان يأتيه يتقاضاه فيختبىء منه ، فجاء ذات يوم فخرج صبي فسأله عنه ، فقال : نعم هو في البيت يأكل خزيرة ، فناداه فقال : يا فلان اخرج فقد اخبرت أنك ها هنا ، فخرج إليه فقال : ما يُغَيبك عني ؟ فقال : إني معسر وليس عندي ، قال : آلله إنك معسر ؟ قال : نعم . فبكى أبو قتادة ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من نفّس عن غريمه أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة " حديث آخر : عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتى الله بعبد من عبيده يوم القيامة قال : ماذا عملت لي في الدنيا ؟ فقال : ما عملت لك يا رب مثقال ذرة في الدنيا أرجوك بها - قالها ثلاث مرات - قال العبد عند آخرها : يا رب إنك كنت أعطيتني فضل مال ، وكنتُ رجلاً أبايع الناس ، وكان من خلقي الجواز ، فكنت أيسّر على الموسر وأنظر المعسر ، فقال فيقول الله عزّ وجلّ : أنا أحق من ييسر ، أدخل الجنة " ولفظ البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كان تاجر يداين الناس ، فإذا رأى معسراً قال لفتيانه : تجاوزوا عنه لعل الله يتجاوز عنا ، فتجاوز الله عنه " حديث آخر : عن عبد الله بن سهل بن حنيف أن سهلاً حدّثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أعان مجاهداً في سبيل الله أو غازياً أو غارماً في عسرته أو مكاتباً في رقبته أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله " . حديث آخر : أخرج مسلم في صحيحه من حديث عبادة بن الصامت قال : خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا ، فكان أول من لقينا ( أبا اليسر ) صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غلام له ، معه ضَمامة من صحف ، وعلى أبي اليسر بردة ومعافري ، وعلى غلامه بردة ومعافري ، فقال له أبي : يا عم ، إني أرى في وجهك سَعْفة من غضب ، قال : أجل كان لي على فلان بن فلان الرامي مال ، فأتيت أهله فسلمت فقلت أثَمَّ هو ؟ قالوا : لا ، فخرج علي ابن له جَفْر فقلت : أين أبوك ؟ فقال : سمع صوتك فدخل أريكة أمي ، فقلت : اخرج إليَّ فقد علمت أين أنت ، فخرج فقلت : ما حملك على أن اختبأت مني ؟ قال : أنا والله أحدثك ثم لا أكذبك ، خشيت والله أن أحدثك فأكذبك أو أعدك فأخلفك ، وكنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت والله معسراً . قال : قلت : آلله ، قال : آلله ؟ ثم قال : فأتى بصحيفته فمحاها بيده ثم قال : فإن وجدت قضاء فاقضني ، وإلا فأنت في حل ، فأشهدُ : أبصرَ عيناي هاتان - ووضع أصبعيه على عينيه - وسمعَ أذناي هاتان ووعاه قلبي - وأشار إلى نياط قلبه - رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " من أنظر معسراًَ أو وضع عنه أظله الله في ظله " . حديث آخر : عن ابن عباس قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد وهو يقول بيده هكذا - وأومأ أبو عبد الرحمٰن بيده إلى الأرض - : " من أنظر معسراً أو وضع عنه وقاه الله من فيح جهنم ، ألا إن عمل الجنة حَزْن بربوة - ثلاثاً - ألا إن عمل النار سهل بسهوة ، والسعيد من وقي الفتن وما من جرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ يكظمها عبد ، ما كظمها عبد لله إلا ملأ الله جوفه إيماناً " . ثم قال تعالى يعظ عباده ويذكرهم وزوال الدنيا وفناء ما فيها من الأموال وغيرها ، وإتيان الآخرة والرجوع إليه تعالى ، ومحاسبته تعالى خلقه على ما عملوا ومجازاته إياهم بما كسبوا من خير وشر ويحذرهم عقوبته فقال : { وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } . وقد روي أن هذه الآية آخر آية نزلت من القرآن العظيم ، فقال سعيد بن جبير : آخر ما نزل من القرآن كله : { وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } ، وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية تسع ليال ، ثم مات يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول . وعن عبد الله بن عباس قال : آخر شيء نزل من القرآن : { وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } وقال ابن جريج ، قال ابن عباس : آخر آية نزلت : { وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ } الآية . قال ابن جريج : يقولون : إن النبي صلى الله عليه وسلم عاش بعدها تسع ليال وبدىء يوم السبت ومات يوم الاثنين .