Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 22-35)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهذا برهان ثان لموسى عليه السلام ، وهو أن الله أمره أن يدخل يده في جيبه ، كما صرح به في الآية الأخرى . وهٰهنا عبر عن ذلك بقوله : { وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ } ، وقال في مكان آخر : { وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ } [ القصص : 32 ] ، وقال مجاهد : { وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ } : كفك تحت عضدك ؛ وذلك أن موسى عليه السلام كان إذا أدخل يده في جيبه ثم أخرجها ، تخرج تتلألأ كأنها فلقة قمر . وقوله { تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } أي من غير برص ولا أذى ، ومن غير شين ، وقال الحسن البصري : أخرجها والله كأنها مصباح ، فعلم موسى أنه قد لقي ربه عزّ وجلّ ، ولهذا قال تعالى : { لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ } ، وقال وهب ، قال له ربه : أدنه ، فلم يزل يدنيه حتى أسند ظهره بجذع الشجرة فاستقر ، وذهبت عنه الرعدة ، وجمع يده في العصا وخضع برأسه وعنقه . وقوله { ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } : أي اذهب إلى فرعون ملك مصر ، الذي خرجت فاراً منه وهارباً ، فادعه إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، ومره فليحسن إلى بني إسرائيل ولا يعذبهم ، فإنه قد طغى وبغى وآثر الحياة الدنيا ونسي الرب الأعلى . قال وهب بن منبه : قال الله لموسى : انطلق برسالتي فإنك بسمعي وعيني ، وقد ألبستك جنة من سلطاني لتستكمل بها القوة في أمري ، فأنت جند عظيم من جندي ، بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي ، بطر نعمتي وأمن مكري ، وغرته الدنيا عني ، حتى جحد حقي وأنكر ربوبيتي ، وزعم أنه لا يعرفني فإني أقسم بعزتي لولا القدر الذي وضعت بيني وبين خلقي ، لبطشت به بطشة جبار ، يغضب لغضبه السماوات والأرض والجبال والبحار ، فإن أمرت السماء حصبته ، وإن أمرت الأرض ابتلعته ، وإن أمرت الجبال دمرته ، وإن أمرت البحار غرقته ، ولكنه برهان عليّ وسقط من عيني ، ووسعه حلمي واستغنيت بما عندي وحقي ، إني أنا الغني لا غني غيري ، فبلغه رسالتي ، وادعه إلى عبادتي وتوحيدي وإخلاصي ، وذكره أيامي وحذره من نقمتي وبأسي ، وقل له فيما بين ذلك قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى ، وأخبره أني إلى العفو والمغفرة أسرع مني إلى الغضب والعقوبة ، ولا يروعنك ما ألبسته من لباس الدنيا ، فإن ناصيته بيدي ، أفيظن الذي يحاربني أن يقوم لي ، أم يظن الذي يعاديني أن يعجزني ، أم يظن الذي يبارزني أن يسبقني أو يفوتني . { قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي } هذا سؤال من موسى عليه السلام لربه عزّ وجل ، أن يشرح له صدره فيما بعثه به ، فإنه قد أمره بأمر عظيم ، وخطب جسيم ، بعثه إلى أعظم ملك على وجه الأرض إذ ذاك ، وأجبرهم وأشدهم كفراً وأكثرهم جنوداً ، وأبلغهم تمرداً ، هذا وقد مكث موسى في داره وليداً عندهم في حجر فرعون على فراشه ، ثم قتل منهم نفساً فخافهم أن يقتلوه فهرب منهم ، هذه المدة بكمالها ، ثم بعد هذا بعثه ربه عزّ وجلّ إليهم نذيراً يدعوهم إلى الله عزَّ وجلَّ أن يعبدوه وحده لا شريك له ، ولهذا قال : { قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي } أي إن لم تكن أنت عوني ونصيري وعضدي وظهيري وإلاّ فلا طاقة لي بذلك { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُواْ قَوْلِي } . وما سأل أن يزول ذلك بالكلية ، بل بحيث يزول العي ويحصل لهم فهم ما يريد منه ، وهو قدر الحاجة ، ولو سأل الجميع لزال ولكن الأنبياء لا يسألون إلاّ بحسب الحاجة ، ولهذا بقيت . قال الله تعالى إخباراً عن فرعون أنه قال { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } [ الزخرف : 52 ] أي يفصح بالكلام ، وقال الحسن البصري { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي } قال : حلّ عقدة واحدة ، ولو سأل أكثر من ذلك أعطي ، وقال ابن عباس : شكا موسى إلى ربه ما يتخوف من آل فرعون في القتيل ، وعقدة لسانه فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام ، وسأل ربه أن يعينه بأخيه هارون ، ويكون له ردءاً ويتكلم عنه بكثير مما يفصح له لسانه ، فآتاه سؤله ، فحل عقدة من لسانه . وقوله تعالى : { وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي } ، وهذا أيضاً سؤال من موسى عليه السلام في أمر خارجي عنه ، وهو مساعدة أخيه هارون له ، قال ابن عباس : نبئ هارون ساعتئذ وحين نبئ موسى عليهما السلام . روي عن عائشة أنها خرجت فيما كانت تعتمر ، فنزلت ببعض الأعراب فسمعت رجلاً يقول : أي أخ كان في الدنيا أنفع لأخيه ؟ قالوا : لا ندري ، قال أنا والله أدري ! قالت ، فقلت في نفسي في حلفه لا يستثني ، إنه ليعلم أي أخ كان في الدنيا أنفع لأخيه ، قال : ( موسى ) حين سأل لأخيه النبوة ، فقلت : صدق والله . وقوله { ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي } قال مجاهد : ظهري ، { وَأَشْرِكْهُ فِيۤ أَمْرِي } أي في مشاورتي ، { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً } قال مجاهد : لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيراً حتى يذكر الله قائماً وقاعداً ومضطجعاً ، وقوله : { إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً } أي في اصطفائك لنا وإعطائك إيانا النبوة وبعثتك لنا إلى عدوك فرعون ، فلك الحمد على ذلك .