Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 68-75)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى منكراً على المشركين ، في عدم تفهمهم للقرآن العظيم وإعراضهم عنه ، مع أنهم قد خصوا بهذا الكتاب الذي لم ينزل الله على رسول الله أكمل منه ولا أشرف ، فكان اللائق بهؤلاء أن يقابلوا النعمة التي أسداها الله عليهم بقبولها ، والقيام بشكرها وتفهمها والعمل بمقتضاها آناء الليل وأطراف النهار ، ثم قال منكراً على الكافرين من قريش : { أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } أي أنهم لا يعرفون محمداً وصدقه وأمانته وصيانته التي نشأ بها فيهم ، ولهذا قال ( جعفر بن أبي طالب ) رضي الله عنه للنجاشي ملك الحبشة : أيها الملك إن الله بعث فينا رسولاً نعرف نسبه وصدقه وأمانته ، وهكذا قال ( المغيرة بن شعبة ) لنائب كسرى حين بارزهم ، وكذلك قال ( أبو سفيان ) لملك الروم هرقل حين سأله وأصحابه عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم ، ونسبه وصدقه وأمانته ، وكانوا بعد كفاراً لم يسلموا ، ومع هذا لم يمكنهم إلا الصدق فاعترفوا بذلك . وقوله : { أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ } يحكي قول المشركين عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه تقوَّل القرآن أي افتراه من عنده ، أو أن به جنوناً لا يدري ما يقول ، وأخبر عنهم أن قلوبهم لا تؤمن به ، وهم يعلمون بطلان ما يقولون في القرآن ، وقد تحداهم وجميع أهل الأرض أن يأتوا بمثله إن استطاعوا ولا يستطيعون أبد الآبدين ، ولهذا قال : { بَلْ جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } ، قال قتادة : ذكر لنا " أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لقي رجلاً فقال : " أسلم " فقال الرجل : إنك لتدعوني إلى أمر أنا له كاره ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : " وإن كنت كارهاً " وذكر لنا أنه لقي رجلاً فقال له : " " أسلم " فتصعده ذلك وكبر عليه ، فقال له نبي الله صلى الله عليه وسلم : " أرأيت لو كنت في طريق وعر وعث ، فلقيت رجلاً تعرف وجهه وتعرف نسبه ، فدعاك إلى طريق واسع سهل أكنت تتبعه " ؟ قال : نعم ، قال : " فوالذي نفس محمد بيده إنك لفي أوعر من ذلك الطريق لو قد كنت عليه ، وإني لأدعوك لأسهل من ذلك لو دعيت إليه " " وقوله : { وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ } قال مجاهد والسدي : الحق هو الله عزَّ وجلَّ ، والمراد لو أجابهم الله إلى ما في أنفسهم من الهوى ، وشرع الأمور على وفق ذلك ، لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن أي لفساد أهوائهم واختلافهم ، كما أخبر عنهم في قولهم : { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] ، وقال تعالى : { قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنْفَاقِ } [ الإسراء : 100 ] الآية . ففي هذا كله تبيين عجز العباد واختلاف آرائهم وأهوائهم ، وأنه تعالى هو الكامل في جميع صفاته وأقواله وأفعاله وتدبيره لخلقه تعالى وتقدس ، ولهذا قال : { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ } أي القرآن { فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ } ، وقوله : { أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً } قال الحسن : أجراً ، وقال قتادة : جُعْلا { فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ } أي أنت لا تسألهم أجرة ولا جعلاً ولا شيئاً على دعوتك إياهم إلى الهدى ، بل أنت في ذلك تحتسب عند الله جزيل ثوابه ، كما قال { قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ } [ سبأ : 47 ] ، وقال : { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَآ أَنَآ مِنَ ٱلْمُتَكَلِّفِينَ } [ ص : 86 ] ، وقال : { ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً } [ يس : 21 ] ، وقوله : { وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَإِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ عَنِ ٱلصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ } . عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه فيما يرى النائم ، ملكان ، فقعد أحدهما عند رجليه ، والآخر عند رأسه ، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه : اضرب مَثَل هذا ومثل أمته ، فقال : إن مثل هذا ومثل أمته كمثل قوم سفر انتهوا إلى رأس مفازة ، فلم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة ولا ما يرجعون به ، فبينما هم كذلك إذ أتاهم رجل في حلة حبرة ، فقال : أرأيتم إن أوردتكم رياضاً معشبة وحياضاً رواء تتبعوني ؟ فقالوا : نعم ، قال : فانطلق بهم وأوردهم رياضاً معشبة وحياضاً رواء ، فأكلوا وشربوا وسمنوا ، فقال لهم : ألم ألفَكم على تلك الحال ، فجعلتم لي إن وردت بكم رياضاً معشبة وحياضاً رواء أن تتبعوني ؟ قالوا : بلى ، قال : فإن بين أيديكم رياضاً أعشب من هذه ، وحياضاً هي أروى من هذه ، فاتبعوني ، قال : فقالت طائفة : صدق والله لنتبعنه ، وقالت طائفة : قد رضينا بهذا نقيم عليه . وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني ممسك بحجزكم هلمَّ عن النار ، هلمَّ عن النار وتغلبونني ، تتقاحمون فيها تقاحم الفراش والجنادب ، فأوشك أن أرسل حجزكم وأنا فرطكم على الحوض ، فتردون عليّ معاً وأشتاتاً ، أعرفكم بسيماكم وأسمائكم كما يعرف الرجل الغريب من الإبل في إبله ، فيذهب بكم ذات اليمين وذات الشمال ، فأناشد فيكم رب العالمين أي رب قومي ، أي رب أمتي ، فيقال : يا محمد إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، إنهم كانوا يمشون بعدك القهقرى على أعقابهم " وقوله : { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ عَنِ ٱلصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ } أي لعادلون جائرون منحرفون ، تقول العرب : نكب فلان عن الطريق إذا زاغ عنها ، وقوله : { وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } يخبر تعالى عن غلظهم في كفرهم ، بأنه لو أزاح عنهم الضر وأفهمهم القرآن لما انقادوا له ، ولاستمروا على كفرهم وعنادهم وطغيانهم ، كما قال تعالى : { وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } [ الأنفال : 23 ] فهذا من باب علمه تعالى بما لا يكون لو كان كيف يكون ، قال ابن عباس : كل ما فيه ( لو ) فهو مما لا يكون أبداً .