Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 31-31)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا أمر من الله تعالى للنساء المؤمنات وغيرة منه لأزواجهن المؤمنين ، وتمييز لهن عن صفة نساء الجاهلية وفعال المشركات ، وكان سبب نزول هذه الآية ما ذكره ( مقاتل بن حيان ) قال : بلغنا أن أسماء بنت مرثد كانت في محل لها في بني حارثة ، فجعل النساء يدخلن عليها غير متزرات ، فيبدو ما في أرجلهن من الخلاخل ، وتبدو صدورهن وذوائبهن ، فقالت أسماء : ما أقبح هذا ، فأنزل الله تعالى : { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ } الآية ، فقوله تعالى : { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ } أي عما حرم الله عليهن من النظر إلى غير أزواجهن ؛ ولهذا ذهب كثير من العلماء إلى أنه لا يجوز للمرأة النظر إلى الرجال الأجانب بشهوة ولا بغير شهوة أصلاً واحتج كثير منهم بما روي " عن أم سلمة أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة ، قالت : فبينما نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه وذلك بعدما أمرنا بالحجاب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احتجبا منه " فقلت : يا رسول الله أليس هو أعمى ولا يبصرنا ولا يعرفنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أو عمياوان أنتما ؟ ألستما تبصرانه " وذهب آخرون من العلماء إلى جواز نظرهن إلى الأجانب بغير شهوة ، كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل ينظر إلى الحبشة وهم يلعبون بحرابهم يوم العيد في المسجد ، وعائشة أم المؤمنين تنظر إليهم من ورائه وهو يسترها منهم حتى ملّت ورجعت ، وقوله : { وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } قال سعيد بن جبير : عن الفواحش ؛ وقال قتادة : عما لا يحل لهن ؛ وقال مقاتل : عن الزنا ؛ وقال أبو العالية : كل آية نزلت في القرآن يذكر فيها حفظ الفروج فهو من الزنا ، إلاّ هذه الآية : { وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } أن لا يراها أحد ، وقوله تعالى : { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا } أي لا يظهرن شيئاً من الزينة للأجانب إلاّ ما لا يمكن إخفاؤه ، قال ابن مسعود : كالرداء والثياب ، يعني كل ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها وما يبدو من أسافل الثياب ، فلا حرج عليها فيه ، لأن هذا لا يمكنها إخفاؤه ، وقال ابن عباس : وجهها وكفيها والخاتم ، وهذا يحتمل أن يكون تفسيراً للزينة التي نهين عن إبدائها ، كما قال عبد الله بن مسعود : الزينة زينتان ، فزينة لا يراها إلاّ الزوج : الخاتم والسوار ، وزينة يراها الأجانب ، وهي الظاهر من الثياب ، وقال مالك { إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا } : الخاتم والخلخال ، ويحتمل أن ابن عباس ومن تابعه أرادوا تفسير ما ظهر منها بالوجه والكفين ، وهذا هو المشهور ، ويستأنس له بالحديث الذي رواه أبو داود " عن عائشة رضي الله عنها أن ( أسماء بنت أبي بكر ) دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق ، فأعرض عنها وقال : " يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلاّ هذا ، وأشار إلى وجهه وكفيه " " . وقوله تعالى : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ } يعني المقانع يعمل لها صفات ضاربات على صدورهن لتواري ما تحتها من صدرها وترائبها ، ليخالفن شعار نساء أهل الجاهلية ، فإنهن لم يكن يفعلن ذلك ، بل كانت المرأة منهن تمر بين الرجال مسفحة بصدرها لا يواريه شيء وربما أظهرت عنقها وذوائب شعرها وأقرطه آذانها ، فأمر الله المؤمنات أن يستترن في هيئاتهن وأحوالهن ، كما قال تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ } [ الأحزاب : 59 ] ، وقال في هذه الآية الكريمة : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ } والخمر جمع خمار : وهو ما يخمر به أي يغطى به الرأس ، وهي التي تسميها الناس المقانع ، قال سعيد بن جبير { وَلْيَضْرِبْنَ } وليشددن { بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ } يعني على النحر والصدر فلا يرى منه شيء . وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ } شققن مروطهن فاختمرن بها . وروى ابن أبي حاتم عن صفية بنت شيبة قالت : بينا نحن عند عائشة قالت : فذكرنا نساء قريش وفضلهن ، فقالت عائشة رضي الله عنها : إن لنساء قريش لفضلاً وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقاً لكتاب الله ولا إيماناً بالتنزيل ، لقد أنزلت سورة النور : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ } انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها ، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابته ، فما منهن امرأة إلاّ قامت إلى مرطها المرحل ، فاعتجرت به تصديقاً وإيماناً بما أنزل الله من كتابه ، فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان . وقال ابن جرير عن عائشة قالت : يرحم الله النساء المهاجرات الأول ، لما أنزل الله : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ } شققن أكتف مروطهن فاختمرن بها ، وقوله تعالى : { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ } أي أزواجهن { أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ } كل هؤلاء محارم للمرأة يجوز لها أن تظهر عليهم بزينتها ، ولكن من غير تبرج فأما الزوج فإنما ذلك كله من أجله ، فتتصنع له بما لا يكون بحضرة غيره ، وقوله : { أَوْ نِسَآئِهِنَّ } يعني تظهر بزينتها أيضاً للنساء المسلمات ، دون نساء أهل الذمة ، لئلا تصفهن لرجالهن ، فإنهن لا يمنعهن من ذلك مانع ؛ فأما المسلمة فإنها تعلم أن ذلك حرام فتنزجر عنه ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تباشر المرأة المرأة تنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها " . وروي أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي عبيدة : أما بعد ، فإنه بلغني أن نساء من نساء المسلمين يدخلن الحمامات مع نساء أهل الشرك . فإنه من قبلك فلا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ينظر إلى عورتها إلاّ أهل ملتها ، وقال مجاهد في قوله : { أَوْ نِسَآئِهِنَّ } قال : نساؤهن المسلمات ، ليس المشركات من نسائهن ، وليس للمرأة المسلمة أن تنكشف بين يدي مشركة ، وروي عن ابن عباس : { أَوْ نِسَآئِهِنَّ } قال : هَنُ المسلمات لا تبديه ليهودية ولا نصرانية ، وهو النحر والقرط والوشاح وما لا يحل أن يراه إلاّ محرم ، وروى سعيد عن مجاهد قال : لا تضع المسلمة خمارها عند مشركة لأن الله تعالى يقول : { أَوْ نِسَآئِهِنَّ } فليست من نسائهن ، وعن مكحول وعبادة بن نسي : أنهما كرها أن تقبل النصرانية واليهودية والمجوسية المسلمة . وقوله تعالى : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } قال ابن جرير : يعني من نساء المشركين ، فيجوز لها أن تظهر زينتها لها وإن كانت مشركة لأنها أمتها ، وإليه ذهب سعيد بن المسيب . وقال الأكثرون : بل يجوز أن تظهر على رقيقها من الرجال والنساء ، واستدلوا بالحديث الذي رواه أبو داود " عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها ، قال : وعلى فاطمة ثوب إذا قنّعت به رأسها لم يبلغ رجليها ، وإذا غطّت به رجليها لم يبلغ رأسها ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال : " إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك " ، وروى الإمام أحمد عن أم سلمة ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان لإحداكن مكاتب وكان له ما يؤدي فلتحتجب منه " ، وقوله تعالى : { أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ } يعني كالأجراء والأتباع الذين ليسوا بأكفاء ، وهم مع ذلك في عقولهم وله ولا همة لهم إلى النساء ولا يشتهونهن ، قال ابن عباس : هو المغفل الذي لا شهوة له . وقال مجاهد : هو الأبله ، وقال عكرمة : هو المخنث الذي لا يقوم ذكره ، وكذلك قال غير واحد من السلف ، وفي الصحيح " عن عائشة أن مخنثاً كان يدخل على أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا يعدونه من غير أولي الأربة ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينعت امرأة يقول : إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع ، وإذا أدبرت أدبرت بثمان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أرى هذا يعلم ما هٰهنا لا يدخلن عليكم " فأخرجه ، وروى الإمام أحمد " عن أم سلمة أنها قالت : دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعندها مخنث ، وعندها ( عبد الله بن أبي أمية ) يعني أخاها والمخنث يقول : يا عبد الله إن فتح الله عليكم الطائف غداً فعليك بابنة غيلان ، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان ، قال : فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لأم سلمة : " لا يدخلن هذا عليك " " . وقوله تعالى : { أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ } يعني لصغرهم لا يفهمون أحوال النساء وعوراتهن من كلامهن الرخيم ، وتعطفهن في المشية وحركاتهن وسكناتهن ، فإذا كان الطفل صغيراً لا يفهم ذلك فلا بأس بدخوله على النساء ، فأما إن كان مراهقاً أو قريباً منه بحيث يعرف ذلك ويدريه ويفرق بين الشوهاء والحسناء ، فلا يمكّن من الدخول على النساء ، وقد ثبت في " الصحيحين " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " " إياكم والدخول على النساء " قيل : يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال : " الحمو الموت " " وقوله تعالى : { وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ } الآية ، كانت المرأة في الجاهلية إذا كانت تمشي في الطريق وفي رجلها خلخال صامت لا يعلم صوتها ضربت برجلها الأرض ، فيسمع الرجال طنينه ، فنهى الله المؤمنات عن مثل ذلك ، وكذلك إذا كان شيء من زينتها مستوراً فتحركت بحركة لتظهر ما هو خفي دخل في هذا النهي ، لقوله تعالى : { وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ } إلى آخره ، ومن ذلك أنها تنهى عن التعطر والتطيب عند خروجها من بيتها ، فيشم الرجال طيبها ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " كل عين زانية ، والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا " يعني زانية . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه لقي امرأة شم منها ريح الطيب ولذيلها إعصار ، فقال : يا أمة الجبار جئت من المسجد ؟ قالت : نعم ، قال لها : تطيبت ؟ قالت : نعم ، قال : إني سمعت حبي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يقبل الله صلاة امرأة طيبت لهذا المسجد حتى ترجع فتغسل غسلها من الجنابة " وفي الحديث : " الرافلة في الزينة من غير أهلها كمثل ظلمة يوم القيامة لا نور لها " ، ومن ذلك أيضاً أنهن ينهين عن المشي في وسط الطريق لما فيه من التبرج ، فقد روي عن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري عن أبيه " أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو خارج من المسجد ، وقد اختلط الرجال مع النساء في الطريق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء : " استأخرن فإنه ليس لكن أن تحتضن الطريق ، عليكن بحافات الطريق " ، فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به " ، وقوله تعالى : { وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي افعلوا ما أمركم به من هذه الصفات الجميلة والأخلاق الجليلة ، واتركوا ما كان عليه أهل الجاهلية من الأخلاق والصفات الرذيلة ، فإن الفلاح كل الفلاح في فعل ما أمر الله به ورسوله ، وترك ما نهى عنه والله تعالى المستعان .