Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 32-34)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اشتملت هذه الآيات الكريمات ، على جمل من الأحكام المحكمة ، فقوله تعالى : { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ } أمر بالتزويج ، وقد ذهب طائفة من العلماء إلى وجوبه على كل من قدر عليه ، واحتجوا بظاهر قوله عليه السلام : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " ، وقد جاء في السنن : " تزوجوا الولود ، تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة " ، الأيامى جمع أيم ، ويقال ذلك للمرأة التي لا زوج لها ، وللرجل الذي لا زوجة له ، يقال : رجل أيم وامرأة أيم ، وقوله تعالى : { إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } الآية ، قال ابن عباس : رغبهم الله في التزويج وأمر به الأحرار والعبيد ، ووعدهم عليه الغنى ، فقال : { إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } ، وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ، ينجز لكم ما وعدكم من الغنى يقول الله تعالى : { إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } ، وعن ابن مسعود : التمسوا الغنى في النكاح ، يقول الله تعالى : { إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة حق على الله عونهم : الناكح يريد العفاف ، والمكاتب يريد الأداء ، والغازي في سبيل الله " ، وقد زوّج النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذي لا يجد عليه إلاّ إزاره ولم يقدر على خاتم من حديد ، ومع هذا فزوجه بتلك المرأة ، وجعل صداقها عليه أن يعلمها ما معه من القرآن ، والمعهود من كرم الله تعالى ولطفه أن يرزقه ما فيه كفاية لها وله ، وقوله تعالى : { وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } هذا أمر من الله تعالى لمن لا يجد تزويجاً بالتعفف عن الحرام ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " وهذه الآية مطلقة والتي في سورة النساء أخص منها وهي قوله : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَاتِ } [ النساء : 25 ] ، إلى قوله : { وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } [ النساء : 25 ] أي صبركم عن تزوج الإماء خير لكم لأن الولد يجيء رقيقاً { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ النساء : 25 ] ، قال عكرمة في قوله : { وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً } قال : هو الرجل يرى المرأة فكأنه يشتهي ، فإن كانت له امرأة فليذهب إليها وليقض حاجته منها ، وإن لم يكن له امرأة فلينظر في ملكوت السماوات والأرض حتى يغنيه الله . وقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً } هذا أمر من الله تعالى للسادة إذا طلب عبيدهم منهم الكتابة أن يكاتبوهم ، بشرط أن يكون للعبد حيلة وكسب ، يؤدي إلى سيده المال الذي شارطه على أدائه ، وقد ذهب كثير من العلماء إلى أن هذا الأمر أمر إرشاد واستحباب ، لا أمر تحتم وإيجاب ، قال الشعبي : إن شاء كاتبه وإن شاء لم يكاتبه ، وذهب آخرون إلى أنه يجب على السيد إذا طلب منه عبده ذلك أن يجيبه إلى ما طلب آخذاً بظاهر هذا الأمر ، وقال البخاري عن ابن جريج قلت لعطاء : أواجب علي إذا علمت له مالاً أن أكاتبه ؟ قال : ما أراه إلاّ واجباً ، وقال عمرو بن دينار ، قلت لعطاء : أتأثره عن أحد ؟ قال : لا ، ثم أخبرني أن سيرين سأل أنساً المكاتبة ، وكان كثير المال ، فأبى ، فانطلق إلى عمر رضي الله عنه ، فقال : كاتبه ، فأبى ، فضربه بالدرة ويتلو عمر رضي الله عنه : { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً } فكاتبه . وذهب الشافعي في الجديد إلى أنه لا يجب لقوله عليه السلام : " لا يحل مال امرئ مسلم إلاّ بطيب نفس " ، وقال مالك : الأمر عندنا أنه ليس على سيد العبد أن يكاتبه إذا سأله ذلك ، ولم أسمع أحداً من الأئمة أكره أحداً على أن يكاتب عبده ، وكذا قال الثوري وأبو حنيفة ، وقوله تعالى : { إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً } قال بعضهم : أمانة ، وقال بعضهم : صدقاً ، وقال بعضهم : مالاً ، وقال بعضهم : حيلة وكسباً ، وقوله تعالى : { وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ } اختلف المفسرون فيه ، فقال بعضهم : معناه اطرحوا لهم من الكتابة بعضها ، وقال آخرون : بل المراد هو النصيب الذي فرض الله لهم من أموال الزكاة ، وقال ابن عباس : أمر الله المؤمنين أن يعينوا في الرقاب ، وقد تقدم الحديث : " ثلاثة حق على الله عونهم " فذكر منهم المكاتب يريد الأداء ، والقول الأول أشهر . وعن ابن عباس في الآية { وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ } قال : ضعوا عنهم من مكاتبتهم ، وقال محمد بن سيرين في الآية : كان يعجبهم أن يدع الرجل لمكاتبه طائفة من مكاتبته ، وقوله تعالى : { وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ } الآية ، كان أهل الجاهلية إذا كان لأحدهم أمة أرسلها تزني وجعل عليها ضريبة يأخذها منها كل وقت ، فلما جاء الإسلام نهى الله المؤمنين عن ذلك ، وكان سبب نزول هذه الآية الكريمة في شأن ( عبد الله بن أبي بن سلول ) فإنه كان له إماء فكان يكرههن على البغاء طلباً لخراجهن ، ورغبة في أولادهن ، ورياسة منه فيما يزعم . ( ذكر الآثار الواردة في ذلك ) قال الحافظ البزار في " مسنده " : كانت جارية لعبد الله بن أبي بن سلول يقال لها ( معاذة ) يكرهها على الزنا فلما جاء الإسلام نزلت : { وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآء } الآية ، وقال الأعمش : نزلت في أمة لعبد الله بن أبي بن سلول يقال لها ( مسيكة ) كان يكرهها على الفجور وكانت لا بأس بها فتأبى ، فأنزل الله هذه الآية : { وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ } الآية ، وروى النسائي عن جابر نحوه . وعن الزهري أن رجلاً من قريش أسر يوم بدر ، وكان عند ( عبد الله بن أبي ) أسيراً وكانت لعبد الله بن أبي جارية يقال لها ( معاذة ) وكان القرشي الأسير يريدها على نفسها ، وكانت مسلمة ، وكانت تمتنع منه لإسلامها ، وكان عبد الله بن أبي يكرهها على ذلك ويضربها رجاء أن تحمل من القرشي فيطلب فداء ولده ، فقال تبارك وتعالى : { وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } ، وقال السدي : أنزلت هذه الآية الكريمة في ( عبد الله بن أبي بن سلول ) رأس المنافقين ، وكانت له جارية تدعى ( معاذة ) وكان إذا نزل به ضيف أرسلها إليه ليواقعها إرادة الثواب منه والكرامة له ، فأقبلت الجارية إلى أبي بكر رضي الله عنه فشكت إليه ذلك ، فذكره أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأمره بقبضها ، فصاح عبد الله بن أبي من يعذرنا من محمد يغلبنا على مملوكتنا فأنزل الله فيهم هذا ، وقوله تعالى : { إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } هذا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له ، وقوله تعالى : { لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي من خراجهن ومهورهن وأولادهن ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجام ، ومهر البغي ، وحلوان الكاهن ، وفي رواية : " مهر البغي خبيث وكسب الحجام خبيث ، وثمن الكلب خبيث " ، وقوله تعالى : { وَمَن يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي لهن ، كما تقدم في الحديث عن جابر ، وقال ابن عباس : فإن فعلتم فإن الله لهن غفور رحيم ، وإثمهن على من أكرههن ، وقال أبو عبيد عن الحسن في هذه الآية { فَإِنَّ ٱللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } قال : لهن والله ، لهن والله ، وفي الحديث المرفوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " ولما فصل تبارك وتعالى هذه الأحكام وبينها قال تعالى : { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ } يعني القرآن فيه آيات واضحات مفسرات { وَمَثَلاً مِّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ } أي خبراً عن الأمم الماضية وما حل بهم في مخالفتهم أوامر الله تعالى كما قال تعالى : { فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ } [ الزخرف : 56 ] أي زاجراً عن ارتكاب المآثم والمحارم { وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } أي لمن اتقى الله وخافه ، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في صفة القرآن : فيه حكم ما بينكم ، وخبر ما قبلكم ، ونبأ ما بعدكم ، وهو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله .