Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 35-35)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال ابن عباس { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } يقول : هادي أهل السماوات والأرض ، يدبر الأمر فيهما نجومهما وشمسهما وقمرهما . وقال ابن جرير عن أنس بن مالك قال : إن الله يقول نوري هدى ، واختار هذا القول ابن جرير ، وقال أبي بن كعب : هو المؤمن جعل الله الإيمان والقرآن في صدره فضرب الله مثله فقال : { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } فبدأ بنور نفسه ، ثم ذكر نور المؤمن ، فقال : مثل نور من آمن به ، فهو المؤمن جعل الإيمان والقرآن في صدره ، وعن ابن عباس أنه قرأها { مثل نور من آمن بالله } وقرأ بعضهم { الله منّور السماوات والأرض } وقال السدي في قوله { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } فبنوره أضاءت السماوات والأرض ، وفي الحديث : " أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات " وفي " الصحيحين " عن ابن عباس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يقول : " اللهم لك الحمد ، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن " الحديث . وعن ابن مسعود قال : إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار ، نور العرش من نور وجهه ، وقوله تعالى : { مَثَلُ نُورِهِ } في هذا الضمير قولان : ( أحدهما ) أنه عائد إلى الله عزَّ وجلَّ أي مثل هداه في قلب المؤمن ، قاله ابن عباس { كَمِشْكَاةٍ } ( والثاني ) : أن الضمير عائد إلى المؤمن الذي دل عليه سياق الكلام ، تقديره مثل نور المؤمن الذي في قلبه كمشكاة ، فشبه قلب المؤمن وما هو مفطور عليه من الهدى وما يتلقاه من القرآن المطابق لما هو مفطور عليه ، كما قال تعالى : { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ } [ هود : 17 ] فشبه قلب المؤمن في صفائه في نفسه بالقنديل من الزجاج الشفاف الجوهري ، وما يستهديه من القرآن والشرع بالزيت الجيد الصافي المشرق المعتدل الذي لا كدر فيه ولا انحراف ؛ فقوله { كَمِشْكَاةٍ } قال ابن عباس ومجاهد : هو موضع الفتيلة من القنديل . هذا هو المشهور ، ولهذا قال بعده { فِيهَا مِصْبَاحٌ } وهو الزبالة التي تضيء . وقال مجاهد : هي الكوة بلغة الحبشة . وزاد بعضهم فقال : المشكاة الكوة التي لا منفذ لها ، وعن مجاهد : المشكاة الحدائد التي يعلق بها القنديل ؛ والقول الأول أولى ، وهو أن المشكاة هو موضع الفتيلة من القنديل : ولهذا قال : { فِيهَا مِصْبَاحٌ } وهو النور الذي في الزبالة ، قال أُبي بن كعب : المصباح النور وهو القرآن والإيمان الذي في صدره ، وقال السدي هو السراج { ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ } أي هذا الضوء مشرق في زجاجة صافية ، وهي نظير قلب المؤمن { ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ } أي كأنها كوكب من در ، قال أبي بن كعب : كوكب مضيء ، وقال قتادة : مضيء مبين ضخم { يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ } أي يستمد من زيت زيتون شجرة مباركة { زَيْتُونَةٍ } بدل أو عطف بيان { لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ } أي ليست في شرقي بقعتها فلا تصل إليها الشمس من أول النهار ، ولا في غربها فيقلص عنها الفيء قبل الغروب ، بل هي في مكان وسط تعصرها الشمس من أول النهار إلى آخره ، فيجيء زيتها صافياً معتدلاً مشرقاً ، عن ابن عباس في قوله { زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ } قال : هي شجرة بالصحراء لا يظلها شجر ولا جبل ولا كهف ، ولا يواريها شيء ، وهو أجود لزيتها ، وقال عكرمة : تلك زيتونة بأرض فلاة إذا أشرقت الشمس أشرقت عليها ، فإذا غربت غربت عليها فذلك أصفى ما يكون من الزيت ، وعن سعيد بن جبير في قوله { زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ } قال : هو أجود الزيت ، قال إذا طلعت الشمس أصابتها من صوب المشرق ، فإذا أخذت في الغروب أصابتها الشمس ، فالشمس تصيبها بالغداوة والعشي فتلك لا تعد شرقية ولا غربية . وقال الحسن البصري : لو كانت هذه الشجرة في الأرض لكانت شرقية أو غربية ، ولكنه مثل ضربه الله تعالى لنوره ، وقال الضحاك عن ابن عباس { يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ } قال : رجل صالح { زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ } قال : لا يهودي ولا نصراني ، وأولى هذه الأقوال : أنها في مستوى من الأرض في مكان فسيح باد ظاهر ضاح للشمس ، تقرعه من أول النهار إلى آخره ، ليكون ذلك أصفى لزيتها وألطف ، ولهذا قال تعالى : { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } يعني لضوء إشراق الزيت ، وقوله تعالى : { نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ } قال ابن عباس : يعني بذلك إيمان العبد وعمله ، وقال أبي بن كعب { نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ } المؤمن يتقلب في خمسة من النور ، فكلامه نور ، وعمله نور ، ومدخله نور ، ومخرجه نور ، ومصيره إلى نور يوم القيامة إلى الجنة . وقال شمر بن عطية : جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار فقال : حدثني عن قول الله تعالى { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } قال : يكاد محمد صلى الله عليه وسلم يبين للناس ولو لم يتكلم أنه نبي ، كما يكاد ذلك الزيت أن يضيء ، وقال السدي في قوله تعالى : { نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ } قال : نور النار ونور الزيت حين اجتمعا أضاءا ولا يضيء واحد بغير صاحبه ، كذلك نور القرآن ونور الإيمان حين اجتمعا فلا يكون واحد منهما إلاّ بصاحبه ، وقوله تعالى : { يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ } أي يرشد الله إلى هدايته من يختاره ، كما جاء في الحديث : " إن الله تعالى خلق خلقه في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره يومئذٍ ، فمن أصاب من نوره يومئذ اهتدى ومن أخطأ ضل ، فلذلك أقول : جفَّ القلم على علم الله عزَّ وجلَّ " وقوله تعالى : { وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ } لما ذكر تعالى هذا مثلاً لنور هداه في قلب المؤمن ختم الآية بقوله : { وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ } أي هو أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الإضلال ، عن أبي سعيد الخدري قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " القلوب أربعة : قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر ، وقلب أغلف مربوط على غلافه ، وقلب منكوس ، وقلب مصفح . فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن سراجه فيه نوره ، وأما القلب الأغلف فقلب الكافر ، وأما القلب المنكوس فقلب المنافق عرف ثم أنكر ، وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق ، ومثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب ، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها الدم والقيح ، فأي المدتين غلبت على الأخرى غلبت عليه " .