Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 6-10)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه الآية الكريمة فيها فرج للأزواج وزيادة مخرج إذا قذف أحدهم زوجته ، وتعسر عليه إقامة البينة أن يلاعنها كما أمر الله عزَّ وجلَّ ، وهو أن يحضرها إلى الإمام ، فيدعي عليها بما رماها به ، فيحلفه الحاكم أربع شهادات بالله في مقابلة أربعة شهداء إنه لمن الصادقين : أي فيما رماها به من الزنا { وَٱلْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } فإذا قال ذلك بانت منه وحرمت عليه أبداً ، ويعطيها مهرها ويتوجه عليها حد الزنا ، ولا يدرأ عنها العذاب إلاّ أن تلاعن ، فتشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين : أي فيما رماها به ، { وَٱلْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيْهَآ إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } ، ولهذا قال : { وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا ٱلْعَذَابَ } يعني الحد ، { أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِٱللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلْكَاذِبِينَ * وَٱلْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيْهَآ إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } فخصها بالغضب ، كما أن الغالب أن الرجل لا يتجشم فضيحة أهله ورميها بالزنا إلاّ وهو صادق معذور وهي تعلم صدقه فيما رماها به ، ولهذا كانت الخامسة في حقها أن غضب الله عليها ، والمغضوب عليه هو الذي يعلم الحق ثم يحيد عنه ؛ ثم ذكر تعالى رأفته بخلقه ولطفه بهم فيما شرع لهم من الفرج والمخرج من شدة ما يكون بهم من الضيق ، فقال تعالى : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } أي لحرجتم ولشق عليكم كثير من أموركم { وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ } أي على عباده ، وإن كان ذلك بعد الحلف والأيمان المغلظة { حَكِيمٌ } فيما يشرعه ويأمر به وفيما ينهى عنه . عن ابن عباس قال : " لما نزلت { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً } ، قال سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار رضي الله عنه : أهكذا أنزلت يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم ؟ " فقالوا : يا رسول الله لا تلمه ، فإنه رجل غيور ، والله ما تزوج امرأة قط إلاّ بكراً ، وما طلق امرأة فاجترأ رجل منا أن يتزوجها من شدة غيرته ، فقال سعد : والله يا رسول الله إني لأعلم إنها لحق وأنها من الله ، ولكني قد تعجبت أني لو وجدت لكاعاً قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه ، حتى آتي بأربعة شهداء ، فوالله إني لا آتي بهم حتى يقضي حاجته . قال : فما لبثوا إلاّ يسيراً حتى جاء ( هلال بن أمية ) وهو أحد الثلاثة الذي تيب عليهم ، فجاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلاً ، فرأى بعينيه وسمع بأذنيه ، فلم يهيجه حتى أصبح فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني جئت أهلي عشاء فوجدت عندها رجلاً فرأيت بعيني وسمعت بأذني ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به واشتد عليه واجتمعت عليه الأنصار ، وقالوا : قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة ، الآن يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال بن أمية ويبطل شهادته في الناس ، فقال هلال : والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجاً ؛ وقال هلال : يا رسول الله فإني قد أرى ما اشتد عليك مما جئت به والله يعلم إني لصادق ، فوالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه إذا أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الوحي ، وكان إذا أنزل عليه الوحي يعرفوا ذلك في تربد وجهه ، يعني فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي ، فنزلت : { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِٱللَّهِ } الآية ، فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجاً ومخرجاً " ، فقال هلال : قد كنت أرجو ذلك من ربي عزَّ وجلَّ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فأرسلوا إليها " ، فأرسلوا إليها فجاءت فتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما فذكرهما ، وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا ، فقال هلال : والله يا رسول الله لقد صدقت عليها ، فقالت : كذب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاعنوا بينهما " ، فقيل لهلال ، اشهد ، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، فلما كانت الخامسة قيل له يا هلال اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب ، فقال : والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها ، فشهد في الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، ثم قيل للمرأة : اشهدي أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، وقيل لها عند الخامسة اتقي الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب ، فتلكأت ساعة وهمت بالاعتراف ، ثم قالت : والله لا أفضح قومي فشهدت في الخامسة إن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ؛ ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، وقضى أن لا يدعى ولدها لأب ، ولا يرمي ولدها ، ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد ، وقضى أن لا بيت لها عليه ولا قوت لها من أجل أنهما يفترقان من غير طلاق ولا متوفى عنها ، وقال : " إن جاءت به أصيهب أريشح حمش الساقين فهو الهلال ، وإن جاءت به أورق جعداً جمالياً خدلج الساقين سابغ الأليتين فهو للذي رميت به " ، فجاءت به أورق جعداً جمالياً خدلج الساقين سابغ الأليتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لولا الأيمان لكان لي ولها شأن " ، قال عكرمة : فكان بعد ذلك أميراً على مصر ، وكان يدعى لأمه ولا يدعى لأب . ولهذا الحديث شواهد كثيرة في " الصحاح " وغيرها من وجوه كثيرة ؛ فمنها ما رواه البخاري عن ابن عباس : " أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " البينة أو حد في ظهرك " فقال : يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " البينة وإلاّ حد في ظهرك " ، فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد ، فنزل جبريل وأنزل عليه : { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ } - فقرأ حتى بلغ { إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم ، فأرسل إليهما فشهد هلال والنبي صلى الله عليه وسلم يقول " إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب " ثم قامت فشهدت ، فلما كان في الخامسة وقفوها ، وقالوا : إنها موجبة . قال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء " فجاءت به كذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن " وروى الإمام أحمد عن عبد الله قال : كنا جلوساً عشية الجمعة في المسجد ، فقال رجل من الأنصار : إن أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلاً إن قتله قتلتموه وإن تكلم جلدتموه ، وإن سكت سكت على غيظ ؟ ! والله لئن أصبحت صحيحاً لأسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فسأله ، فقال : يا رسول الله إن أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلاً إن قتله قتلتموه ، وإن تكلم جلدتموه ، وإن سكت سكت على غيظ ، اللهم احكم ، قال : فنزلت آية اللعان ، فكان ذلك الرجل أول من ابتلي به . وعن سهل بن سعد قال : " جاء عويمر إلى ( عاصم بن عدي ) فقال له : سل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رجلاً وجد رجلاً مع امرأته فقتله أيقتل به أم كيف يصنع ؟ فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل ، قال : فلقيه عويمر فقال : ما صنعت ؟ قال : ما صنعت أنك لم تأتني بخير ، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب المسائل ، فقال عويمر : والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه ؛ فأتاه فوجده قد أنزل عليه فيها ، قال : فدعا بهما ولاعن بينهما ، قال عويمر : إن انطلقت بها يا رسول الله لقد كذبت عليها ، قال ففارقها قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصارت سنة المتلاعنين ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبصروها فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين فلا أراه إلاّ قد صدق ، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة ، فلا أراه إلاّ كاذباً " ، فجاءت به على النعت المكروه . وروى الحافظ أبو يعلى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : لأول لعان كان في الإسلام " أن شريك بن سحماء قذفه هلال بن أمية بامرأته ، فرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أربعة شهود وإلاّ فحد في ظهرك " فقال : يا رسول الله إن الله يعلم إني لصادق ، ولينزلن الله عليك ما يبرئ به ظهري من الجلد ، فأنزل الله آية اللعان : { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ } إلى آخر الآية ، قال : فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " اشهد بالله إنك لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا " فشهد بذلك أربع شهادات ، ثم قال له الخامسة : " ولعنة الله عليك إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا " ففعل ، ثم دعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " قومي فاشهدي بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماك به من الزنا " فشهدت بذلك أربع شهادات ، ثم قال لها في الخامسة : " وغضب الله عليك إن كان من الصادقين فيما رماك به من الزنا " قال : فلما كانت الرابعة أو الخامسة سكتت سكتة حتى ظنوا أنها ستعترف ، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت على القول ، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقال : " انظروا فإن جاءت به جعداً حمش الساقين فهو لشريك بن سحماء ، وإن جاءت به أبيض سبطاً قصير العينين فهو لهلا بن أمية " فجاءت به جعداً حمش الساقين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لولا ما نزل فيهما من كتاب الله لكان لي ولها شأن " " .