Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 38-49)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى مخاطباً للناس : { إِنَّكُمْ لَذَآئِقُو ٱلْعَذَابِ ٱلأَلِيمِ * وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } ، ثم استثنى من ذلك عباده المخلصين ، كما قال تعالى : { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً } [ مريم : 71 - 72 ] ، وقال تعالى : { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلاَّ أَصْحَابَ ٱلْيَمِينِ } [ المدثر : 38 - 39 ] ، ولهذا قال جلّ وعلا هٰهنا { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } أي ليسوا يذوقون العذاب الأليم ، ولا يناقشون في الحساب ، بل يتجاوز عن سيئاتهم إن كان لهم سيئات ، ويجزون الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة ، وقوله جلّ وعلا { أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ } قال السدي : يعني الجنة ، ثم فسره بقوله تعالى : { فَوَاكِهُ } أي متنوعة { وَهُم مُّكْرَمُونَ } أي يخدمون ويرفهون وينعّمون { فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ * عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } ، قال مجاهد : لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض ، وقوله تعالى : { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ * بَيْضَآءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ * لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } ، كما قال تعالى : { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ } [ الواقعة : 19 ] نزّه الله سبحانه وتعالى خمر الجنة عن الآفات التي في خمر الدنيا ، من صدع الرأس ، ووجع البطن ، وهو ( الغول ) وذهابها بالعقل جملة ، فقال تعالى : { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } أي بخمر من أنهار جارية ، لا يخافون انقطاعها ولا فراغها ، قال زيد بن أسلم : خمر جارية بيضاء ، أي لونها مشرق حسن بهي ، لا كخمر الدنيا في منظرها البشع الرديء ، من حمرة أو سواد أو اصفرار أو كدورة ، إلى غير ذلك مما ينفر الطبع السليم ، وقوله عزّ وجلّ : { لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ } أي طعمها طيب كلونها ، وطيب الطعم دليل على طيب الريح ، بخلاف خمر الدنيا في جميع ذلك ، وقوله تعالى : { لاَ فِيهَا غَوْلٌ } يعني وجع البطن ، كما تفعله خمر الدنيا ، وقيل : المراد بالغول هٰهنا صداع الرأس ، وروي عن ابن عباس ، وقال قتادة : هو صداع الرأس ووجع البطن ؛ وقال السدي : لا تغتال عقولهم ، كما قال الشاعر : @ فما زالت الكأس تغتالنا وتذهب بالأول الأول @@ وقال سعيد بن جبير : لا مكروه فيها ولا أذى ، والصحيح قول مجاهد : أنه وجع البطن ، وقوله تعالى : { وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } قال مجاهد : لا تذهب عقولهم ، وقال ابن عباس : في الخمر أربع خصال : ( السكر ، والصداع ، والقيء ، والبول ) ، فذكر الله تعالى خمر الجنة ، فنزّهها عن هذه الخصال ، وقوله تعالى : { وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ } أي عفيفات لا ينظرن إلى غير أزواجهن ، كذا قال ابن عباس ومجاهد ، وقوله تبارك وتعالى : { عِينٌ } أي حسان الأعين ، وقيل : ضخام الأعين ، وهي النجلاء العيناء ، فوصف عيونهن بالحسن والعفة ، كقول زليخا في يوسف عليه السلام { وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ } [ يوسف : 32 ] أي هو مع هذا الجمال عفيف تقي نقي ، وهكذا الحور العين { خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } [ الرحمٰن : 70 ] ، ولهذا قال عزّ وجلّ : { وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ عِينٌ } . وقوله جلّ جلاله : { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ } وصفهن بترافة الأبدان بأحسن الألوان ، قال ابن عباس : { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ } يقول : اللؤلؤ المكنون ، وأنشد قول الشاعر : @ وهي زهراء مثل لؤلؤة الغوا ص ميزت من جوهر مكنون @@ وقال الحسن : { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ } يعني مصون لم تسمه الأيدي ، وقال سعيد بن جبير : { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ } يعني بطن البيض ، وقال السدي : { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ } يقول : بياض البيض حين ينزع قشره ، واختاره ابن جرير لقوله { مَّكْنُونٌ } قال : والقشرة العليا يمسها جناح الطير والعش ، وتنالها الأيدي بخلاف داخلها ، وفي الحديث عن أنَس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا أول الناس خروجاً إذا بعثوا ، وأنا خطيبهم إذا وفدوا ، وأنا مبشرهم إذا حزنوا وأنا شفيعهم إذا حبسوا ، لواء الحمد يومئذٍ بيدي ، وأنا أكرم ولد آدم على الله عزّ وجلّ ولا فخر ، يطوف علي ألف خادم كأنهن البيض المكنون - أو اللؤلؤ المكنون - " .