Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 10-14)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى مخبراً عن الكفار : أنهم ينادون يوم القيامة وهم في غمرات النيران يتلظون ، وذلك عندما باشروا من عذاب الله تعالى ما لا قبل لأحد به ، فمقتوا عند ذلك أنفسهم ، وأبغضوها غاية البغض ، بسبب ما أسلفوا من الأعمال السيئة التي كانت سبب دخولهم إلى النار ، فأخبرتهم الملائكة عند ذلك بأن مقت الله تعالى لهم في الدنيا ، حين كان يعرض عليهم الإيمان فيكفرون ، أشد من مقتكم أيها المعذبون أنفسكم في هذه الحالة ، قال قتادة : المعنى لمقت الله أهل الضلالة حين عرض عليهم الإيمان في الدنيا فتركوه وأبوا أن يقبلوه ، أكبر مما مقتوا أنفسهم ، حين عاينوا عذاب الله يوم القيامة ، وقوله : { قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ } قال ابن مسعود رضي الله عنه : هذه الآية ، كقوله تعالى : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ البقرة : 28 ] وهذا هو الصواب الذي لا شك فيه ولا مرية ، والمقصود أن الكفار يسألون الرجعة وهم وقوف بين يدي الله عزّ وجلّ في عرصات القيامة ، كما قال عزّ وجلّ : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } [ السجدة : 12 ] فلا يجابون ، ثم إذا رأوا النار وعاينوها ووقفوا عليها ونظروا إلى ما فيها من العذاب والنكال ، سألوا الرجعة أشد مما سألوا أول مرة ، فلا يجابون ، قال الله تعالى : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الأنعام : 27 ] فإذا دخلوا النار وذاقوا مسها وحسيسها ومقامعها وأغلالها ، كان سؤالهم للرجعة أشد وأعظم ، { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ } [ فاطر : 37 ] كقوله : { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } [ المؤمنون : 107 ] ، وفي هذه الآية الكريمة تلطفوا في السؤال وقدموا بين يدي كلامهم مقدمة ، وهي قولهم : { رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ } أي قدرتك عظيمة ، فإنك أحييتنا بعد ما كنا أمواتاً ثم أمتنا ثم أحييتنا فأنت قادر على ما تشاء ، وقد اعترفنا بذنوبنا ، وإننا كنا ظالمين لأنفسنا في الدار الدنيا ، { فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } أي فهل أنت مجيبنا إلى أن تعيدنا إلى الدار الدنيا ؟ فإنك قادر على ذلك لنعمل غير الذي كنا نعمل ، فإن عدنا إلى ما كنا فيه فإنا ظالمون ، فأجيبوا أن لا سبيل إلى عودكم ومرجعكم إلى الدار الدنيا ، ثم علل المنع من ذلك بأن سجاياكم لا تقبل الحق ولا تقتضيه بل تمجه وتنفيه ، { ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ } أي أنتم هكذا تكونون ، وإن رددتم إلى الدار الدنيا كما قال عزّ وجلّ { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [ الأنعام : 28 ] . وقوله جل وعلا : { فَٱلْحُكْمُ للَّهِ ٱلْعَلِـيِّ ٱلْكَبِيرِ } أي هو الحاكم في خلقه العادل الذي لا يجور ، فيهدي من يشاء ويضل من يشاء ، ويرحم من يشاء ويعذب من يشاء ، وقوله جل جلاله : { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ } أي يظهر قدرته لخلقه بما يشاهدونه في خلقه العلوي والسفلي من الآيات العظيمة ، الدالة على كمال خالقها ومبدعها ومنشئها ، { وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزْقاً } وهو المطر الذي يخرج به من الزروع والثمار ما هو مشاهد بالحس من اختلاف ألوانه وطعومه وروائحه وأشكاله وألوانه وهو ماء واحد ، فالبقدرة العظيمة فاوت بين هذه الأشياء ، { وَمَا يَتَذَكَّرُ } أي يعتبر ويتفكر في هذه الأشياء ويستدل بها على عظمة خالقها { إِلاَّ مَن يُنِيبُ } أي من هو بصير منيب إلى الله تبارك وتعالى . وقوله عزّ وجلّ : { فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ } أي فأخلصوا لله وحده العبادة والدعاء وخالفوا المشركين في مسلكهم ومذهبهم ، قال الإمام أحمد : كان عبد الله بن الزبير يقول في دُبُر كل صلاة حين يسلم " لا إلٰه إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا إلٰه إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه ، له النعمة وله الفضل ، وله الثناء الحسن ، لا إلٰه إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون . قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل بهن دُبُر كل صلاة " ، وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عقب الصلوات المكتوبات : " لا إلٰه إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا إلٰه إلا الله . ولا نعبد إلا إياه " الحديث ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ادعوا الله تبارك وتعالى وأنتم موقنون بالإجابة ، واعلموا أن الله تعالى لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاه " .