Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 23-24)
Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى لما ذكر روضات الجنات ، لعباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات { ذَلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي هذا حاصل لهم كائن لا محالة ، ببشارة الله تعالى لهم به ، وقوله عزّ وجلّ : { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين من كفار قريش ، لا أسألكم على هذا البلاغ والنصح مالاً ، وإنما أطلب أن تذروني أبلغ رسالات ربي ، فلا تؤذوني بما بيني وبينكم من القرابة ، روى البخاري ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قوله تعالى : { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } فقال سعيد بن جبير : قربى آل محمد ، فقال ابن عباس : " عَجِلْتَ إن النبي صلى الله عليه وسلم : لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة ، فقال : إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة " وروى الحافظ الطبراني ، عن ابن عباس قال : قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا أسألكم عليه أجراً إلا أن تودوني في نفسي لقرابتي منكم ، وتحفظوا القرابة بيني وبينكم " وروى الإمام أحمد ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : " لا أسألكم على ما آتيتكم من البينات والهدى أجراً إلا أن توادوا الله تعالى ، وأن تقربوا إليه بطاعته " ، وهذا كأنه تفسير بقول ثان ، كأنه يقول : إلا المودة في القربى ، أي إلا أن تعملوا بالطاعة التي تقربكم عند الله زلفى ، وقول ثالث وهو ما حكاه البخاري عن سعيد بن جبير أنه قال : معنى ذلك أن تودوني في قرابتي ، أي تحسنوا إليهم وتبروهم ، قال السدي : لما جيء بعلي بن الحسين رضي الله عنه أسيراً ، فأقيم على درج دمشق ، قام رجل من أهل الشام فقال : الحمد لله الذي قتلكم ، واستأصلكم ، وقطع قرن الفتنة ، فقال له علي بن الحسين رضي الله عنه : أقرأت القرآن ؟ قال : نعم ، قال : أقرأت آل حم ؟ قال : قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم ، قال : ما قرأت : { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } ؟ قال : وإنكم لأنتم هم ؟ قال : نعم . والحق تفسير هذه الآية بما فسرها به حبر الأمة وترجمان القرآن ، عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، كما رواه عنه البخاري ، ولا ننكر الوصية بأهل البيت ، والأمر بالإحسان إليهم ، واحترامهم وإكرامهم ، فإنهم من ذرية طاهرة ، من أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخراً وحسباً ونسباً . وقد ثبت في الصحيح " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته بغدير خم : " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ، وإنهما لم يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض " ، وفي الصحيح أن الصديق رضي الله عنه قال لعلي رضي الله عنه : والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليَّ أن أصل من قرابتي ، وقال عمر بن الخطاب للعباس رضي الله عنهما : والله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إليَّ من إسلام الخطاب لو أسلم ، لأن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب . وروى الإمام أحمد ، عن يزيد بن حيان قال : " انطلقت أنا والحصين بن ميسرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم رضي الله عنه ، فلما جلسنا إليه قال حصين : لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصلَّيت معه . لقد رأيت يا زيد خيراً كثيراً ، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا ابن أخي لقد كبر سني ، وقدم عهدي ، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه سلم ، فما حدثتكم فاقبلوه ، وما لا فلا تكلفونيه ، ثم قال رضي الله عنه : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً خطيباً فينا بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة ، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ، وذكَّر ووعظ ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : " أما بعد أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين ، أولهما كتاب الله تعالى فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به " فحث على كتاب الله ورغب فيه . وقال صلى الله عليه وسلم : " وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي " ، فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال : إن نساءه لسن من أهل بيته ، ولكن أهل بيته من حرم عليه الصدقة بعده ، قال : ومن هم ؟ قال : هم آل علي ، وآل عقيل ، وآل جعفر ، وآل العباس رضي الله عنهم ، قال : كل هؤلاء حرم الله عليه الصدقة ؟ قال : نعم " وروى الترمذي ، عن زيد بن أبي أرقم رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، والآخر عترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما " وروى الترمذي أيضاً ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول : " يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي " " . وقوله عزّ وجلّ : { وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً } أي ومن يعمل حسنة { نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً } أي أجراً وثواباً ، كقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } [ النساء : 40 ] ، وقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ } أي يغفر الكثير من السيئات ، ويكثر القليل من الحسنات ، فيستر ويغفر ويضاعف فيشكر ، وقوله جلّ وعلا : { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ } أي لو افتريت عليه كذباً كما يزعم هؤلاء الجاهلون { يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ } ويسلبك ما كان آتاك من القرآن ، كقوله جلّ جلاله : { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ * فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } [ الحاقة : 44 - 47 ] ، أي لانتقمنا منه أشد الانتقام ، وما قدر أحد من الناس أن يحجز عنه . وقوله جلَّت عظمته : { وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَاطِلَ } مرفوع على الابتداء وحذفت من كتابته الواو في رسم مصحف الإمام كما حذفت في قوله : { سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ } [ العلق : 18 ] ، وقوله عزّ وجلّ { وَيُحِقُّ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ } أي يحققه ويثبته ويبينه ويوضحه { بِكَلِمَاتِهِ } أي بحججه وبراهينه ، { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } أي بما تكنه الضمائر ، وتنطوي عليه السرائر .