Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 40-43)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تبارك وتعالى : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } كقوله تعالى : { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ } [ البقرة : 194 ] ، وكقوله : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } [ النحل : 126 ] الآية فشرع العدل وهو ( القصاص ) وندب إلى الفضل وهو { ٱلْعَفْوَ } كقوله جلّ وعلا : { وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ } [ المائدة : 45 ] ، ولهذا قال هٰهنا : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ } أي لا يضيع ذلك عند الله كما صح ذلك في الحديث : " وما زاد الله تعالى عبداً بعفو إلا عزاً " وقوله تعالى : { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } أي المعتدين وهو المبتدىء بالسيئة ، ثم قال جلّ وعلا : { وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ } أي ليس عليهم جناح في الانتصار ممن ظلمهم ، روى النسائي ، عن عروة قال : " قالت عائشة رضي الله عنها : ما علمت حتى دخلت عليَّ زينب بغير إذن وهي غضبى ، ثم قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : حسبك إذا قلبت لك ابنة أبي بكر درعها ، ثم أقبلت عليَّ ، فأعرضت عنها حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : " دونك فانتصري " فأقبلت عليها حتى رأيت ريقها قد يبس في فمها ما ترد علي شيئاً فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه " وروى البزار عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من دعا على من ظلمه فقد انتصر " وقوله عزّ وجلّ : { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ } أي إنما الحرج والعنت { عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } أي يبدأون الناس بالظلم ، كما جاء في الحديث الصحيح : " المستبّان ما قالا ، فعلى البادىء ما لم يعتد المظلوم " { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي شديد موجع ، ثم إن الله تعالى لما ذم الظلم وأهله وشرع القصاص قال نادباً إلى العفو والصفح : { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ } أي صبر على الأذى وستر السيئة { إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } أي لمن الأمور المشكورة والأفعال الحميدة ، التي عليها ثواب جزيل وثناء جميل . وقال الفضيل بن عياض : " إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلاً فقل : يا أخي اعف عنه ، فإن العفو أقرب للتقوى ، فإن قال : لا يحتمل قلبي العفو ، ولكن انتصر كما أمرني الله عزّ وجلّ ، فقل له : إن كنت تحسن أن تنتصر ، وإلا فارجع إلى باب العفو ، فإن باب واسع ، فإنه { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ } ، وصاحب العفو ينام على فراشه بالليل ، وصاحب الانتصار يقلب الأمور " . وروى الإمام أحمد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " إن رجلاً شتم أبا بكر رضي الله عنه والنبي صلى الله عليه وسلم جالس ؛ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعجب ويبتسم ، فلما أكثر رد عليه بعض قوله ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقام فلحقه أبو بكر رضي الله عنه فقال : يا رسول الله إنه كان يشتمني وأنت جالس ، فلما رددت عليه بعض قوله غضبت ، وقمت ، قال : " إنه كان معك ملك يرد عنك فلما رددت عليه بعض قوله حضر الشيطان فلم أكن لأقعد مع الشيطان " ! ثم قال : " يا أبا بكر ، ثلاث كلهن حق : ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله إلا أعزه الله تعالى بها ونصره ، وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة ، وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده الله عزّ وجلّ بها قلة " ، وهذا الحديث في غاية الحسن في المعنى وهو مناسب للصديق رضي الله عنه .