Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 59-63)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : قل يا محمد لهؤلاء الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من أهل الكتاب : { هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ } أي هل لكم علينا مطعن أو عيب إلاّ هذا ؟ وهذا ليس بعيب ولا مذمة ، فيكون الاستثناء منقطعاً كما في قوله تعالى : { وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } [ البروج : 8 ] وكقوله : { وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ } [ التوبة : 74 ] . وقوله : { وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } معطوف على { أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ } أي وآمنا بأن أكثركم فاسقون أي خارجون عن الطريق المستقيم . ثم قال : { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ } أي هل أخبركم بشر جزاء عند الله يوم القيامة مما تظنونه بنا ؟ وهم أنتم المتصفون بهذه الصفات المفسرة بقوله : { مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ } أي أبعده من رحمته ، { وَغَضِبَ عَلَيْهِ } أي غضباً لا يرضى بعده أبداً ، { وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ } كما تقدم بيانه في سورة البقرة ، وقد قال سفيان الثوري عن ابن مسعود قال : " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير أهي مما مسخ الله ؟ فقال : " إن الله لم يهلك قوماً - أو قال لم يمسخ قوماً - فيجعل لهم نسلاً ولا عقباً ، وإن القردة والخنازير كانت قبل ذلك " ، رواه مسلم ، وقال أبو داود الطيالسي عن ابن مسعود قال : " سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير أهي من نسل اليهود ؟ فقال : " لا ، إن الله لم يلعن قوماً قط فيمسخهم فكان لهم نسل ، ولكن هذا خلق كان ، فلما غضب الله على اليهود فمسخهم جعلهم مثلهم " وقوله تعالى : { وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ } قرىء { وعَبَدَ الطاغوتَ } على أنه فعل ماض ، والطاغوت منصوب به ، أي وجعل منهم من عبد الطاغوت ، وقرىء { وعَبَدِ الطاغوت } بالإضافة ، على أن المعنى وجعل منهم خدم الطاغوت أي خدامه وعبيده ، والمعنى يا أهل الكتاب الطاعنين في ديننا الذي هو توحيد الله وإفراده بالعبادات دون ما سواه ، كيف يصدر منكم هذا وأنتم قد وجد منكم جميع ما ذكر ؟ ولهذا قال { أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً } أي مما تظنون بنا { وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } وهذا من باب استعمال أفعل التفضيل فيما ليس في الطرف الآخر مشاركة . وقوله تعالى : { وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَقَدْ دَّخَلُواْ بِٱلْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ } ، وهذه صفة المنافقين منهم أنهم يصانعون المؤمنين في الظاهر وقلوبهم منطوية على الكفر ، ولهذا قال : { وَقَدْ دَّخَلُواْ } أي عندك يا محمد { بِٱلْكُفْرِ } أي مستصحبين الكفر في قلوبهم ثم خرجوا وهو كامن فيها لم ينتفعوا بما قد سمعوا منك من العلم ، ولا نجعت فيهم المواعظ ولا الزواجر ، ولهذا قال : { وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ } فخصهم به دون غيرهم ، وقوله تعالى : { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ } أي عالم بسرائرهم وما تنطوي عليه ضمائرهم وإن أظهروا لخلقه خلاف ذلك وتزينوا بما ليس فيهم ، فإن الله عالم الغيب والشهادة أعلم بهم منهم ، وسيجزيهم على ذلك أتم الجزاء . وقوله : { وَتَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ } أي يبادرون إلى ذلك من تعاطي المآثم والمحارم والاعتداء على الناس وأكلهم أموالهم بالباطل { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي لبئس العمل كان عملهم وبئس الاعتداء اعتداؤهم . وقوله تعالى : { لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ ٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } يعني : هلا كان ينهاهم الربانيون والأحبار منهم عن تعاطي ذلك ؟ و { ٱلرَّبَّانِيُّونَ } هم العلماء العمال ، أرباب الولايات عليهم . والأحبار هم العلماء فقط { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } يعني من تركهم ذلك ، قاله ابن عباس . وقال ابن جرير عن ابن عباس قال : ما في القرآن آية أشد توبيخاً من هذه الآية : { لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ ٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } ، قال : كذا قرأ . وكذا قال الضحاك : ما في القرآن آية أخوف عندي منها إنا لا ننهى . وقال ابن أبي حاتم عن يحيى بن يعمر قال : خطب ( علي بن أبي طالب ) فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : " أيها الناس إنما هلك من كان قبلكم بركوبهم المعاصي ، ولم ينههم الربانيون والأحبار ، فلما تمادوا في المعاصي أخذتهم العقوبات ، فمروا بالمعروف وأنهوا عن المنكر ، قبل أن ينزل بكم مثل الذي نزل بهم ، واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقطع رزقاً ولا يقرب أجلاً " . وروى أبو داود عن جرير قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون أن يغيروا عليه فلا يغيرون إلاّ أصابهم الله بعقاب قبل أن يموتوا " .