Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 50, Ayat: 36-40)

Tafsir: Muḫtaṣar tafsīr Ibn Kaṯīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ } قبل هؤلاء المكذبين { مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً } أي كانوا أكثر منهم وأشد قوة . ولهذا قال تعالى : { فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ } . قال مجاهد : { فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } ضربوا في الأرض . وقال قتادة : فساروا في البلاد أي ساروا فيها يبتغون الأرزاق والمتاجر والمكاسب . ويقال لمن طوف في البلاد ، نقب فيها ، وقوله تعالى : { هَلْ مِن مَّحِيصٍ } أي هل من مفر لهم من قضاء الله وقدره ؟ وهل نفعهم ما جمعوه لما كذبوا الرسل ؟ فأنتم أيضاً لا مفر لكم ولا محيد ، وقوله عزّ وجلّ : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ } أي لعبرة { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } أي لب يعي به ، وقال مجاهد : عقل ، { أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } أي استمع الكلام فوعاه ، وتعقله بعقله وتفهمه بلبه ، وقال الضحّاك : العرب تقول : ألقى فلان سمعه إذ استمع بأذنيه وهو شاهد بقلب غير غائب ، وقوله سبحانه وتعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } فيه تقرير للمعاد ، لأن من قدر على خلق السماوات والأرض ولم يعي يخلقهن ، قادر على أن يحيي الموتى بطريق الأولى والأحرى . وقال قتادة : قالت اليهود - عليهم لعائن الله - خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع وهو يوم السبت ، وهم يسمونه يوم الراحة فأنزل الله تعالى تكذيبهم فيما قالوه وتأولوه : { وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } أي من إعياء ولا تعب ولا نصب ، كما قال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ الأحقاف : 33 ] وكما قال عزَّ وجلَّ : { لَخَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } [ غافر : 57 ] ؟ وقال تعالى : { أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا } [ النازعات : 27 ] . وقوله عزّ وجل : { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } يعني المكذبين اصبر عليهم واهجرهم هجراً جميلاً { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } ، وكانت الصلاة المفروضة قبل الإسراء ثنتان قبل طلوع الشمس في وقت الفجر ، وقبل الغروب في وقت العصر ، وقيام الليل كان واجباً على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمته حولاً ، ثم نسخ في حق الأمة وجوبه . ثم بعد ذلك نسخ الله تعالى ذلك كله ليلة الإسراء بخمس صلوات . ولكن منهن صلاة ( الصبح والعصر ) فهما قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ، وقد روى الإمام أحمد ، عن جرير بن عبد الله رضي الله عنهما قال : " كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال : " أما إنكم ستعرضون على ربكم فترونه كما ترون هذا القمر لا تضامون فيه ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا " ، ثم قرأ : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } . وقوله تعالى : { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ } أي فصلِّ له كقوله : { وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ } [ الإسراء : 79 ] ، { وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ } قال مجاهد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : هو التسبيح بعد الصلاة ، ويؤيد هذا ما ثبت في " الصحيحين " عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : " جاء فقراء المهاجرين فقالوا : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " وما ذاك ؟ " قالوا : يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون ولا نتصدق ، ويعتقون ولا نعتق ، قال صلى الله عليه وسلم : " أفلا أعلمكم شيئاً إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلاّ من فعل مثل ما فعلتم ؟ تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين " قال ، فقالوا : يا رسول الله سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله ، فقال صلى الله عليه وسلم : " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " والقول الثاني أن المراد بقوله تعالى : { وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ } هما الركعتان بعد المغرب ، وبه يقول مجاهد وعكرمة والشعبي . روى الإمام أحمد ، عن علي رضي الله عنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على أثر كل صلاة مكتوبة ركعتين إلاّ الفجر والعصر ، وقال عبد الرحمٰن : دبر كل صلاة " وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " بت ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين خفيفتين اللتين قبل الفجر ، ثم خرج إلى الصلاة فقال : يا ابن عباس : " ركعتين قبل صلاة الفجر إدبار النجوم ، وركعتين بعد المغرب إدبار السجود " " .